ـ قال يحيى بن الحسين ، صلوات الله عليه : الضلال في كتاب الله ، عزوجل ، على وجوه ، فوجه منها : قول الله ، تبارك وتعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (الفاتحة : ٧) ، يقول إنّهم ضلّوا عن سواء السبيل ، وهم النّصارى. والوجه الثاني : قوله ، سبحانه : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) (الضحى : ٧) ، يقول عن شرائع النبوة فهداك الله. وقال موسى : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) (الشعراء : ٢٠) ، يقول : من الجاهلين بعاقبة فعلي ، وقال أولاد يعقوب : (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (يوسف : ٨) ، يقولون : جاهل عند ما يؤثر يوسف علينا ونحن أنفع له من يوسف ، صلى الله عليه. والوجه الثالث : قوله : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) (البقرة : ٢٨٢) ، أي تنسى إحداهما الشهادة ، (فتذكّر إحداهما الأخرى). والوجه الرابع : قوله : (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) (محمد ، ١ ، ٨) ، يقول : أبطل أعمالهم. والوجه الخامس : قوله سبحانه ، في قصة فرعون والسامريّ ، حيث يقول : (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى) (طه : ٧٩) ، يقول : أغواهم وأرادهم ولم يرشدهم. والوجه السادس : قوله ، سبحانه : (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) (الجاثية : ٢٣) ، وقوله : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (فاطر : ٨) ، و (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) (إبراهيم : ٢٧) ، و (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ) (غافر : ٣٤) ، ونحو هذه في القرآن كثير. يعني في جميع ذلك ، أنّه يوقع عليه اسم الضلال ويدعوه به بعد العصيان والطغيان ، لا أنّه يغويهم عن الصراط المستقيم كما أغوى وأضلّ فرعون قومه ، وإن أشبه اللفظ فمعناه متباين مفترق عند أهل العلم (ي ، ر ، ٨٣ ، ٣)
ـ هداية صفة الرب جلّت قدرته ، والاهتداء صفة العبد والإضلال صفة الرب تعالى والضلال صفة العبد (م ، ف ، ٢٢ ، ١٧)
ـ أمّا الضلال : فالأصل فيه أنّه الهلاك ، ويستعمل فيما يجري مجرى الطريق إليه ، أو يكون حقيقة فيما يؤدّي إلى الهلاك ، على ما بيّناه في الهدى (ق ، م ١ ، ٦٥ ، ١٢)
ـ إنّ الضلال قد يكون بمعنى الهلاك (ق ، م ٢ ، ٦١٦ ، ٨)
ـ (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) (المائدة : ٤٨) حنيفة مسلمة على طريق الإلجاء والاضطرار وهو قادر على ذلك (ولكن) الحكمة اقتضت أن يضلّ (مَنْ يَشاءُ) (النحل : ٩٣) وهو أن يخذل من علم أنّه يختار الكفر ويصمّم عليه (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (النحل : ٩٣) وهو أن يلطف بمن علم أنّه يختار الإيمان : يعني أنّه بنى الأمر على الاختيار وعلى ما يستحقّ به اللطف والخذلان والثواب والعقاب ، ولم يبنه على الإجبار الذي لا يستحق به شيء من ذلك ، وحقّقه بقوله (وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل : ٩٣) ولو كان هو المضطر إلى الضلال والاهتداء لما أثبت لهم عملا يسألون عنه. ثم كرّر النهي عن اتخاذ الإيمان دخلا بينهم تأكيدا عليهم وإظهارا لعظم ما يركب منه فقال (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) (النحل : ٩٤) فتزل أقدامكم عن محجة الإسلام بعد ثبوتها عليها (وَتَذُوقُوا السُّوءَ) (النحل : ٩٤) في الدنيا بصدودكم (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) (النحل : ٩٤). وخروجكم من الدين أو بصدّكم غيركم ، لأنّهم لو نقضوا إيمان البيعة وارتدوا لاتخذوا نقضها سنة لغيرهم يستنون بها (ز ، ك ٢ ،