بمعنى الإلجاء ، فيجب كونه قادرا على نفس ما اضطرّ إليه (ق ، غ ٨ ، ١٦٧ ، ١٧)
ـ قال شيخنا أبو هاشم ـ رحمهالله ـ في بعض الطبائع : إن الملجأ هو من دفع إلى ضررين يدفع أعظمهما بأدونهما. ومثّل ذلك بالملجإ إلى الهرب من السبع ، والملجأ إلى أكل الميتة إذا دفع به الجوع الشديد ، والملجأ إلى الهرب من العدوّ. وذكر أنّ الإلجاء والاضطرار في اللغة بمعنى واحد. وذكر قوله ـ تعالى ـ : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (البقرة : ١٧٣) ، وقوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (الأنعام : ١١٩) وغير ذلك. وبيّن أن المتكلّمين إنّما فرّقوا بين الضرورة والإلجاء من جهة الاصطلاح ، وإلّا فهما من جهة اللغة لا يختلفان. وذكر أن تحصيل الملجأ أن يفعل به ما يقتضي الهرب من ضرر آخر لو لم يهرب منه لنزل به (ق ، غ ١١ ، ٣٩٤ ، ١٤)
ـ أمّا قولك : إنّ النظر في باب الدين إذا وجب في طريقه أن يكون دليلا ، فكذلك المنبّه عليه يجب أن يكون حجّة ، وأن لا يعتبر بقول الدعاة في ذلك ، ويخالف النظر في باب الدنيا ، فبعيد. وذلك أنّ الأنبياء ، صلوات الله عليهم ، متى خوّفوا من ترك النظر لم يعلم من حالهم إلّا مثل ما يعلم من حال الداعي ، لأنّه لا سبيل لمن ينظر في معرفة الله فيعلمه بعدله وتوحيده وأنّه حكيم ، أن يعلم أنّ الرسول صادق وأنّ المعجز يدلّ على صدقه في النبوّة. وإذا لم يكن له إلى ذلك سبيل ، حلّ قوله عنده محل قول الداعي في أنّه يعمل به لما يقارنه من الأمارات ، فلا تكون له مزية. فإن صحّ وجوب النظر إذا كان المخوّف نبيّا ، فيجب أن يكون واجبا وإن لم يكن نبيّا ، لما بيّناه. إلّا أن يقول قائل : إنّ عند قول النبيّ يقع العلم بالطبع اضطرارا ، كما قاله الجاحظ ، وعند قول غيره لا يكون هذا حاله ، فيكون لهذا الفرق إذن تأثير. وقد بيّنا فساد ذلك ، وبيّنا على قوله لا تصحّ التفرقة بينهما. لأنّ الضرورة لا تفتقر إلى قول لرسول متقدّم ، لأنّه تعالى قادر على أن يهيّئ المحلّ لذلك الطبع ، فيضطرّه ، وإن لم يكن هناك رسول فلا تصحّ هذه التفرقة أيضا. وإذا لم تصحّ له ، لم تكن لأحد أن يتعلّق بها. لأنّ كل من خالف في هذا الباب ، لا يقتضي مذهبه التفرقة بين الرسول والداعي ، لأنّه إن كان من أصحاب الاضطرار فلا وجه لذلك عنده ، وكذلك إن كان من أصحاب الاكتساب (ق ، غ ١٢ ، ٣٦٧ ، ١٧)
ـ قال أبو محمد : ثم نرجع إلى ما كنّا فيه هل المعارف باضطرار أم باكتساب ، فنقول وبالله تعالى التوفيق ، إنّ المعلومات قسم واحد وهو ما عقد عليه المرء قلبه وتيقّنه ، ثم هذا ينقسم قسمين أحدهما حق في ذاته قد قام البرهان على صحّته ، والثاني لم يقم على صحّته برهان ، وأما ما لم يتيقّن المرء صحّته في ذاته فليس عالما به ولا له به علم وإنّما هو ظان له ، وأمّا كل ما علمه المرء ببرهان صحيح فهو مضطرّ إلى علمه به لأنّه لا مجال للشكّ فيه عنده وهذه صفة الضرورة ، وأمّا الاختيار فهو الذي إن شاء المرء فعله وإن شاء تركه (ح ، ف ٥ ، ١١٣ ، ١٩)
ـ دعوى الضرورة وقد اعتمد عليها كثير من المتكلّمين فقال ، نعلم ضرورة أنّ البناء لا بدّ له من بان ، ثم قال والجناية لا بدّ لها من جان وهذه كلمة ساقته إليها القرينة ، والمراد عموم الفعليّة لا خصوص الجناية ، أي مستحيل أن