يستحقّ السواد كونه سوادا وكونه موجودا ثم يظهر الفصل بينهما بأن يجعل كونه سوادا للنفس وكونه موجودا بالفاعل فيتميّز بالوجه الذي بيّناه. فحلّت الصفات في أنّها تتميّز بالوجه الذي بيّناه محل الذوات أنّها تتميّز بالصفات حتى لولاها لما أمكن الفصل بين بعض الذوات وبين بعض. فإذا صحّت هذه الجملة قلنا : جميع ما تستحقّ به الصفات لا يعدو وجوها تختلف العبارة عنها وتختلف قسمتها فيقال : إمّا أن يكون للذات أو بالفاعل أو لعلّة. وربما يقال : إمّا أن يكون للذات أو لمعنى أو لا للذات ولا لمعنى. ثم يحصل ما ليس للذات ولا لمعنى على طريقين : أحدهما ما هو بالفاعل من الحدوث. فالثاني ما تؤثّر فيه صفة أخرى على ما نقوله في كونه مدركا وهذا هو أجمع من الأوّل. وإن أردت ذكر ذلك على طريقة هي أخصر لفظا. قلت إمّا أن يكون للذات أو ما يتبعها ، أو للفاعل وما يتبعه ، ويجعل صفات المعاني مما يتبع الفاعل وعلى هذه الجملة ترتّب صفاته تعالى (ق ، ت ١ ، ١٠٠ ، ١٣)
صفات المكلّف
ـ ذكر الصفات التي يجب أن يختصّ بها المكلّف ... في أنّه تعالى يجب أن يكون عالما من حال المكلّف بما قدّمناه ليحسن أن يكلّفه إنّما قلنا ذلك لأنّه ـ تعالى ـ لو لم يعلم أنّ المكلّف متمكّن بالعلوم والقدرة وغيرهما ـ وقد ثبت أنّه عالم لنفسه فيجب أن يعلم كل معلوم ـ لكان عالما من حال المكلّف أنّه غير قادر ولا متمكّن بسائر وجوه التمكين ، فكان يقبح التكليف ؛ كما يقبح من الواحد منّا أن يأمر الغير بما يعلمه غير مطيق له ومتمكّن من إيجاده. وقد بيّنا صحّة القول بقبح ما لا يطاق (ق ، غ ١١ ، ٤٠٦ ، ١٥)
ـ اعلم أنّ المكلّف وإن كان لا يتمكّن من فعل المعارف إلّا بالأدلّة ، فليس له بالأدلّة صفة. فلذلك جعلنا ذلك من صفات المكلّف ؛ لأنّه يجب أن يفعله حتى يصحّ من المكلّف أداء ما كلّف ممّا لا يتمّ إلا به. والأدلّة وإن كان فيها ما يكون من فعل الغير فأصولها من فعله ـ تعالى ـ وموضع الجميع إليه. فلذلك أجملنا القول في أنّه من صفات المكلّف. وإنّما وجب أن ينصب الأدلّة ؛ لأنّا قد بيّنا أنّ من شرط المكلّف أن يكون عالما بصفة ما كلّف ، وبما معه يمكنه أداؤه من المعارف ، وبما معه يمكنه أن يعلم أنّه قد أدّى ما كلّف. فإذا لم يصحّ ذلك أجمع إلّا بالنظر في الأدلّة فكما لا بدّ من أن يمكّنه من النظر ليصل إلى المعرفة فكذلك يجب أن يمكّنه بنصب الأدلّة من الوصول إلى المعارف. ونبيّن فيما بعد أنّ النظر لا يوجب العلم ولا يكون صحيحا إلّا إذا كان نظرا في دليل يعلمه المكلّف على الوجه الذي يدلّ. وذلك يبيّن صحّة ما ذكرناه (ق ، غ ١١ ، ٤٠٨ ، ٨)
ـ إن قيل وما الصفات التي معها يجب أن يكلّف؟ قيل له : متى تكامل فيه ما قدّمناه من الشروط وجب في الحكمة أن يكلّف. وقد بيّنا أنّ جملته لا تخرج عن أقسام ثلاثة. إمّا أن يجعله ـ تعالى ـ مزاح العلّة في سائر وجوه التمكين ، وأن يجعله ممّن يشقّ عليه الفعل واجتناب ما نهى عنه ، وأن يجعله ممّن له داع إلى فعل القبيح والامتناع من الواجب. فمتى اختصّ بهذه الصفات وجب تكليفه (ق ، غ ١١ ، ٤٨١ ، ١٨)