يتقدّم المسبّب ، ويجري القول في ذلك مجرى القول في العلّة والمعلول ويقول : " كما أنّه مستحيل أن تتقدّم العلّة المعلول كذلك يستحيل أن يتقدّم السبب". ويقول : " لو جاز تقدّمه للمسبّب وقتا جاز أوقاتا والأبد ، ولو ساغ ذلك ساغ ما قالت الفلاسفة إنّ البارئ تعالى علّة للعالم وسبب له لأنّه به كان ووجد ، ولمّا لم يكن كذلك علم أنّ ما يكون سببا للشيء لم يجز أن يتقدّمه" (أ ، م ، ١١٠ ، ١٣)
ـ إنّ المتولّدات مما للاختيار فيه مدخل ، فيقع مرّة بأن يختار الفاعل ما هو كالواسطة فيه ، ولا يقع أخرى بأن لا يختار الفاعل ما هو كالواسطة فيه. يزيد ذلك توضيحا ، أنّ السبب لا يمتنع حصوله ثم لا يحصل المسبّب ، بأن يعرض عارض فيمنعه من التوليد ، ومتى وجب حصوله عند حصول السبب وزوال الموانع فإنّ حاله كحال المبتدأ عند تكامل الدواعي ، فإنّه يحصل لا محالة ، فمن أين الفرق بينهما (ق ، ش ، ٣٨٨ ، ١٠)
ـ إنّ ذات المسبّب ذات منفصلة عن السبب ، حادثة كهو. فكما أنّ السبب يضاف إلى الفاعل فكذلك المسبّب ، فيجب أن تستوي الحوادث في كونها مضافة إلى الفاعل ، وإن كانت تختلف كيفية الإضافة ، ففيها ما يتعلّق به بلا واسطة كالمبتدإ ، وفيها ما لا يتعلّق به إلّا بواسطة وهو المتولّد فهذا تمام الكلام في المتولّدات (ق ، ش ، ٣٩٠ ، ٦)
ـ أمّا السبب فقد يقارن المسبّب وقد يتقدّمه ، ولكن على كل حال فإنّه إنّما يقع السبب والمسبّب جميعا بقدرة متقدّمة ، فلا يؤثّر ذلك في قولنا إنّ ما يقتضي صحّة إحداث الفعل لا بدّ من تقدّمه (ق ، ت ٢ ، ١٠٥ ، ١٥)
ـ إنّ السبب لا يوجب المسبّب إيجاب العلّة للمعلول ، وإنّما يوجد به من جهة القادر ، لأنّه الموجد للمسبّب بإيجاد السبب ، فلذلك صحّ أن يولّد أفعالا في محال على البدل وعلى الجمع ، وليس كذلك حال العلل لأنّها موجبة ، فلا يصحّ أن توجب الصفة إلّا لموصوف واحد (ق ، غ ٤ ، ٣١٣ ، ٥)
ـ إنّ الأصل في السبب أنّه يوجب المسبّب إذا كان المحل محتملا له ، وإنّما نعدل عن ذلك بدلالة. كما أنّ ما قدر القادر عليه يصحّ أن يفعله إلّا أن يمنع منه مانع (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٨٥ ، ١١)
ـ إنّ مثل السبب لا يجوز أن يقدر عليه إلّا ويولّد ، وما منع من القدرة على المسبّب على كل وجه يمنع من القدرة على السبب (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٨٥ ، ١٧)
ـ إنّ السبب قد ثبت أنّه يولّد المسبّب لما هو عليه من حاله ، ولا تتغيّر حاله في أصل التوليد وكيفيّته بالقصد والاختيار والعلم ، ولو تغيّرت حاله بالقصود لخرج من كونه سببا موجبا ؛ ولصحّ بعد وقوع السبب الأمر به والنهي عنه ، كما يصحّ قبله (ق ، غ ٧ ، ١٩٤ ، ١٢)
ـ ليس لأحد أن يقول : إنّما نقدر على إعدام الشيء بسبب ، وإن قدر تعالى على إعدامه ابتداء ؛ كما نقدر على الصوت بسبب ، وإن قدر تعالى على إيجاده ابتداء. وذلك أنّ السبب هو الذي بوجوده يوجد غيره ، ويصحّ مع وجوده المنع من مسبّبه. ووجود الضدّ ليس له هذا الحكم مع الضدّ الذي يعدم به ، فكيف يقال : إنّه سبب في عدمه؟ ولو كان سببا في عدم ما يضادّه ، لوجب أن يكون عدمه بحسبه. فكان لا يصحّ أن تنتفي بالجزء الواحد الأجزاء الكثيرة