مما تضادّه. وكيف يصحّ أن يقال : إنّ الواحد منّا يقدر على إعدام الشيء ، ويستحيل في شيء من الأجناس أن تعدمه ابتداء. وإنّما صحّ القول : بأنّه قادر على إيجاد الأشياء ، لمّا صحّ في بعض الأجناس أن نوجده ابتداء ، فبنينا عليه ما يوجد بالسبب. ولو كان كل موجود يجب وجوده منّا عند إعدام فعل ، لم يصحّ القول بأنّا نقدر على إيجاده. فكذلك يجب أن لا يصحّ ذلك في إعدام الأشياء ، إذا تعذّر منّا إعدامها إلّا بوجود ما نوجده من الضدّ. فلا فرق بين من قال : إنّ إعدام الشيء بنا ، وإن كان تابعا لما نوجده من ضدّه ؛ وبين من قال : إنّ كون المتحرّك متحرّكا بنا ، وإن كان يجب عند وجود الحركة. وكذلك القول في سائر معلول العلل. وفساد ذلك واضح (ق ، غ ٨ ، ٧٩ ، ١٣)
ـ أمّا السبب فقد يجوز أن يتقدّم مسبّبه بوقت واحد ، إذا استحال وجوده معه ، أو اقتضى شرط توليده تقدّمه. وإنّما صحّ ذلك فيه ، لأنّ المسبّب في أنّه يتعلّق بالفاعل كالسبب ، وإنّما يحدثه بواسطة ، فلذلك صحّ فيه ما قلناه. وليس كذلك العلّة الموجبة لحدوثه ، لأنّ تقدّمها يحيل كونها علّة ؛ ولو ثبت جواز تقدّمها للمعلول كالسبب ، لم يصحّ كونها قديمة ، لأنّ ذلك يوجب جواز تقدّمها بما لا نهاية له ، وذلك لا يصحّ في الأسباب أيضا (ق ، غ ٨ ، ٩٩ ، ٧)
ـ كما أنّ السبب يوجب المسبّب إذا احتمله المحل ، ولا يوجب إذا لم يحتمله. فإذا صحّ ذلك في الموجبات ، لم يمتنع مثله في الأمور المستحقّة على الأفعال ، لأنّها لا تكون علّة فيما يستحقّ بها على سبيل الإيجاب. ولذلك يحصل القبيح من الصبيّ ولا يستحقّ به الذمّ. وقد يقع من العاقل ، ولا يستحقّ ذلك به لمانع نحو طاعات عظيمة تقارنه ، أو تقدّم توبه. فقد صحّ مفارقته في هذا الباب العلل الموجبة (ق ، غ ٨ ، ١٦٩ ، ١٤)
ـ إنّ القول في إيجاب السبب للمسبّب بخلاف القول في إيجاب العلّة للمعلول ، لأنّ ما توجيه العلّة لا ينفصل عنها ، فلذلك وجب القول بأن ما أحاله يحيلها ، وما صحّحه يصحّحها ، وما يوجبه السبب منفصل منه لأنّه حادث آخر ، فغير ممتنع أن يوجد والمسبّب معدوم ، وإن كان لا بدّ من وجوده قبله ليجب عنه ، ولا فرق بين من حمل السبب على العلّة في ذلك وبين من حمل القدرة على العلّة ، فكما لا يجب ذلك في القدرة من حيث كان ما يقع بها ينفصل منها فلم يمتنع فناؤها في حال الفعل. وكذلك لا يمنع فناء السبب في حال المسبّب ، فإذا جاز عندنا أن يعجز الفاعل في حال وجود الفعل من حيث كان بوجوده قد خرج من أن يكون له به تعلّق ، فلو صحّ فناؤه دون سائر الأجسام لصحّ عدمه أيضا في حال وجود الفعل ، فكذلك لا يمتنع وجود المسبّب على عدم السبب لخروجه من أن يكون متعلّقا به وقد وجد (ق ، غ ٩ ، ٤٨ ، ٢٠)
ـ إنّ كل سبب يصحّ وجوده مع ضدّ المسبّب أو ما يجري مجرى الضدّ له ، لم يمتنع أن يوجد ولا يوجد المسبّب ، وكذلك إذا صحّ وجوده والمحل لا يحتمل المسبّب. فأمّا إذا كان السبب متى وجد لم يصحّ أن يجامعه المنع من المسبّب فلا بدّ من وجوده إذا كان المحل محتملا ، فلذلك وجب أن يوجد التأليف متى جاور الجزء غيره ، فأمّا إذا وجد جنس المجاورة في الجوهر المنفرد فلا يجب وجود التأليف ، فقد صحّ وجودها على بعض الوجوه ولا يصحّ وجود التأليف (ق ، غ ٩ ، ٥٠ ، ٢٣)