أوصافه ، لأنّ الرؤية تتعلّق بالمرئيّ على أخصّ أوصافه وقد دللنا على ذلك من قبل ، وبيّنا أنّ سائر الإدراكات هذه حالها في أنّها تتعلّق بالشيء على أخصّ أوصافه ، ولو رأيناه كذلك لوجب أن نراه قديما عالما قادرا حيّا لأنّ هذه الصفات هي أخصّ أوصافه ، ولو رأيناه كذلك لوجب أن نرى كل ما شاركه في هذه الصفات ، وفي استحالة ذلك دلالة على أنّه لا يصحّ أن يرى ، إذ القول بصحّة رؤيته يؤدّي إلى ما ذكرناه (ق ، غ ٤ ، ١٢٦ ، ١٤)
ـ إنّ الرؤية لا تتعلّق بالنفي وإنّما تتعلّق بما تختصّ به الذات من الأحوال ، فكيف يصحّ أن يقال إنّا أدركناه تعالى من حيث كان موجودا لنفسه ، ومن حيث استحقّ هذه الصفات على خلاف الوجه الذي استحققناها ، والوجوه التي تستحقّ عليها الصفات ، وما يجري مجرى النفي لا مدخل للإدراك فيه ، فقد صحّ أنّه لو رئي يرى على هذه الصفات ، وذلك يوجب أن يرى الواحد منّا عليها أيضا ، وذلك واضح الفساد (ق ، غ ٤ ، ١٢٧ ، ١٢)
ـ لا يصحّ أن يرى الشيء من حيث كان موجودا ، لعلمنا باستحالة رؤية كثير من الموجودات ، ودللنا على أنّ ما امتنع رؤيته علنيّا من غير مانع من صحّة حاسّتنا ، فيجب كونه غير مرئيّ وإن كان موجودا ، وبيّنا أنّ القول بأنّ كل موجود يصحّ أن يرى يؤدّي إلى الجهالات (ق ، غ ٤ ، ١٨٠ ، ١٢)
ـ إنّ عدم الشيء ، وإن أحال رؤيته ، فإنّ ذلك غير دالّ على أن وجوده هو المصحّح لرؤيته (ق ، غ ٤ ، ١٨٠ ، ١٧)
ـ لا يصحّ أن نجعل العلّة في صحّة رؤية الشيء نفي الصفة عنه ، أو استحالتها عليه ، وإنّما يرى الشيء لاختصاصه بصفة من الصفات ، ولذلك يعلم الرائي للجوهر كونه جوهرا متخيّرا ، ولا يعلم كونه مستغنيا عن محل ومكان بالرؤية ، بل يحتاج أن يستدلّ على ذلك. فبطل القول بأنّه إنّما رأى لهذه العلّة ، وبطل قياسهم القديم تعالى عليه (ق ، غ ٤ ، ١٨٣ ، ٢)
ـ إنّ من شرط صحّة الرؤية بحاسّة العين أن يكون مقابلا أو في حكم المقابل (ق ، غ ٤ ، ١٨٧ ، ١١)
ـ استدلّوا على أنّه سبحانه يرى بقوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٢ ـ ٢٣) ، وأنّه جلّ وعزّ دلّ بذلك على أنّه يصحّ أن يرى ، لأنّ النظر إذا علّق بالوجه لم يحتمل إلّا الرؤية. قالوا : والنظر إذا عدّى بإلى لم يحتمل إلّا الرؤية ولم يحتمل الانتظار ، لأنّه لا يقال في زيد إنّه ناظر إلى فلان ، ويراد الانتظار ، وإنّما يقال هو منتظر فلانا ، قالوا : على أنّا إذا قسمنا النظر خرج من القسمة أنّ المراد بالآية الرؤية على ما نقوله ، ولذلك أنّ النظر يحتمل وجوها : منها الفكر ، ومنها التعطّف والرحمة ، ومنها الانتظار ، ومنها الرؤية (ق ، غ ٤ ، ١٩٧ ، ٩)
ـ إنّ الرؤية قد تكون بمعنى العلم في اللغة. يبيّن ذلك قوله جلّ وعزّ : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ) (الفجر : ٦) ، و (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) (الفيل : ١) ... وقد ذكر أهل اللغة في كتبهم أنّ الرؤية إذا كانت بمعنى العلم تعدّت إلى مفعولين ، وإذا كانت بمعنى الإدراك لم تتعدّ إلّا إلى مفعول واحد. فإذا صحّ ذلك ، وأنّ الرؤية قد تكون بمعنى العلم ، لم يمتنع أن يكون المراد بقوله : " ترون ربّكم" ، كما تعلمون القمر ليلة البدر ، ويكون هذا أصحّ