لأنّه إن حمل على أنّه أراد يدركونه بالبصر كما يدركون القمر ، فيجب أن يدرك في جهة مخصوصة كالقمر ، فثبت أنّ وجه التشبيه فيه ، إذا حمل على العلم من حيث شاركه في أنّه ضروري ، أصحّ (ق ، غ ٤ ، ٢٣١ ، ٥)
ـ أمّا الوصف له (لله) بأنّه رائي فقد قال شيخنا أبو علي : إنّه يستعمل ذلك على وجهين : بمعنى مدرك للمرئيات ، وذلك لا يستعمل فيه إلّا عند إدراكه لها ، فأمّا بمعنى عالم فيستعمل فيه تعالى فيما لم يزل ، لأنّ ذلك حقيقة فيه. وقال : إنّ الرؤية في اللغة قد تكون حقيقة في العلم والإدراك على حدّ واحد ، وكذلك وصف الرائي بأنّه رائي قد يكون حقيقة على هذين الوجهين (ق ، غ ٥ ، ٢٢٣ ، ٦)
ـ إنّ الرؤية ثابتة لأنّها رديف العلم ، وقريبه ، وهي له تكملة. فانتفاء الجسميّة أوجب انتفاء الجهة التي هي من لوازمها ؛ وثبوت العلم أوجب ثبوت الرؤية التي هي من روادفها ، أو مكملاتها ، ومشاركة لها في خاصّيتها ، وهي أنّها لا توجب تغيّرا في ذات المرئي ، بل تتعلّق به هو على ما هو عليه كالعلم ، ولا يخفى على عاقل أنّ هذا هو الاقتصاد في الاعتقاد (غ ، ق ، ٧٣ ، ٣)
ـ إن قلت : الرؤية عين النظر فكيف قيل أرني أنظر إليك؟ قلت : معنى أرني نفسك : اجعلني متمكّنا من رؤيتك بأن تتجلّى لي فأنظر إليك وأراك. فإن قلت : فكيف قال (لَنْ تَرانِي) (الأعراف : ١٤٣) ولم يقل لن تنظر إلى قوله أنظر إليك؟ قلت : لمّا قال أرني بمعنى اجعلني متمكّنا من الرؤية التي هي الإدراك ، علم أن الطلبة هي الرؤية لا النظر الذي لا إدراك معه ، فقيل لن تراني ولم يقل لن تنظر إليّ (ز ، ك ٢ ، ١١٢ ، ٧)
ـ زعم (بشر بن المعتمر) أنّ اللون والطعم والرائحة والإدراكات كلها من السمع ، والرؤية يجوز أن تحصل متولّدة من فعل العبد ، إذا كانت أسبابها من فعله (ش ، م ١ ، ٦٤ ، ٥)
ـ (الأشعري) له قولان في ماهيّة الرؤية : أحدهما : أنّه علم مخصوص ، ويعني بالخصوص أنّه يتعلّق بالوجود دون العدم. والثاني : أنّه إدراك وراء العلم لا يقتضي تأثيرا في المدرك ، ولا تأثّرا عنه (ش ، م ١ ، ١٠٠ ، ١٧)
ـ قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٢ ـ ٢٣) ، فنقول النظر إمّا أن يكون عبارة عن الرؤية أو عن تقليب الحدقة نحو المرئى التماسا لرؤيته. والأوّل هو المقصود ، والثاني يوجب الامتناع عن أجرائه على ظاهره لأنّ ذلك إنّما يصحّ في المرئىّ الذي يكون له جهة ، فوجب حمله على لازمه وهو الرؤية ، لأنّ من لوازم تقليب الحدقة إلى سمت جهة المرئىّ حصول الرؤية (ف ، أ ، ٥٤ ، ١٨)
ـ من قولهم (المتكلّمون) : الرؤية تتعلّق بالموجودات المختلفة كالجواهر والأعراض ، ولا محالة أنّ متعلّق الرؤية فيها ليس إلّا ما هو ذات ووجود ، وذلك لا يختلف وإن تعدّدت الموجودات ، وأمّا ما سوى ذلك ، مما يقع به الاتّفاق والافتراق ، فأحوال لا تتعلّق بها الرؤية ، لكونها ليست بذوات ولا وجودات ، وإذا كان متعلّق الرؤية ليس إلّا نفس الوجود ، وجب أن تتعلّق الرؤية بالباري لكونه ، لا محالة ، موجودا (م ، غ ، ١٥٩ ، ٩)
ـ قيل : الرؤية معنى لا يتأثّر به المرئيّ ولا يتأثّر منه لا بأفعال ولا بانفعال ، وما هذا حكمه في