فيه أن يكون من القبيل الذي يصحّ وقوعه على وجهين ، وإنّما يحصل على أحدهما بالإرادة ، وإن كانت إنّما تتناول إحداث المنتفع دون إحداث أفعاله المباحة. وليس كذلك حال إرادته لخلق المكلّف أو جعله بالصفة التي تقتضي تكليفه ؛ لأنّ هذه الإرادة تتناول فعل الذي كلّفه إيّاها (ق ، غ ١١ ، ١٣١ ، ١٠)
خلق الخلق لا لعلة موجبة
ـ إنّ الأسماء تختلف فوائدها بالقرائن والإضافة ؛ ولذلك قال شيوخنا : إنّ قولنا : مؤمن مقيّدا يستعمل على طريقة اللغة ، وإن كان على جهة الإطلاق منقولا عن بابه ، فلا يجب في إطلاق العلّة ، إذا أفاد بالاصطلاح ما أوجب حالا لغيره أن يفيد ذلك إذا قرن بالفاعل المختار ، بل يجب (عند) إضافته إلى الفاعل أن يستعمل على الوجه الذي وضع في اللغة له ، فلذلك فرّقنا بين اصطلاح المتكلّمين في العلّة واصطلاح الفقهاء ، بل فرّقنا بين أن يذكر في المعاني الموجبة ، وبين أن يذكر في الإمامة إذا قيل ؛ لأنّه علّة يختار المفضول دون الفاضل. وكل ذلك يبيّن أنّ هذه العبارة لا تجري على طريقة واحدة ، وأنّ الحال فيها مختلف. فإذا صحّت هذه الجملة لم يمتنع أن يقول : إنّ الله سبحانه ابتدأ الخلق لعلّة ، نريد بذلك وجه الحكمة الذي له حسن منه الخلق ، فيبطل على هذا الوجه قول من قال : إنّه تعالى خلق الخلق لا لعلّة ، لما فيه من إيهام أنّه خلقهم عبثا ، لا لوجه تقتضيه الحكمة ، بما لا نهاية له. وفي تلك إبطال حدوث الفعل ؛ لتعلّقه في الوجود بما لا نهاية له. وذلك ظاهر في الشاهد ، لأنّ الواحد منّا إذا أراد (النيل) من غيره قال عنه : إنّه يفعل الأفعال لا لعلّة ولا لمعنى ، فيقوم هذا القوم مقام أن يقول إنّه يعبث في أفعاله ، وإذا به في المدح يقول : إنّ فلانا يفعل أفعاله لعلّة صحيحة ولمعنى حسن. لكنّا نختار من حيث استعملت هذه اللفظة على وجوه مختلفة أن نقول : إنّه تعالى خلق الخلق لعلّة ليست سوى خلقه لهم ، ولا هي موجبة لخلقهم. ونقول : إنّه خلق الخلق لا لعلّة موجبة ، ليكون الكلام أكشف ، وإن كان الاقتصار على ما قدّمناه يحسن (ق ، غ ١١ ، ٩٣ ، ٦)
خلق الخلق لعلة
ـ إن قيل : هل خلق الله الخلق لعلّة أم لا؟ وغرضه إذا أجيب إلى ذلك أن يقول : فيجب في تلك العلّة أن تكون مفعولة لعلّة أخرى فيؤدّي إلى ما لا نهاية له. وليس وراء ذلك إلّا أنه لا نطلب لأفعاله وجوه تحسن عليها على ما تكلّمتم. قيل له : إن أردت بالعلّة ما وقع الاصطلاح من المتكلّمين عليه وهو الأمور التي توجب ولا يبقى للاختيار فيه مدخل ، فلسنا نقول بأنّ الله خلق الخلق لعلّة لأنّا نثبته تعالى مختارا منعما ولن يكون كذلك وهناك ما يوجب على حدّ يزول فيه الاختيار. وإن أردت بالعلّة ما يتعارف به من الدواعي والأغراض فقد يصحّ أن يجاب إلى ذلك ، لأنّ وجه الحكمة في الأفعال ربّما يعبّر عنها بالعلل فيقال : " لأيّة علّة فعلت كذا" أو" تأخّرت عنّا" إلى ما أشبه ذلك. وقد بيّنّا أنّه لا يجوز أن يوجد القديم تعالى العالم إلّا لوجه يحسن عليه فيكون المطلوب المراد في خلق العالم ذلك الوجه. وهذا يصلح أن يعبّر عنه بالعلّة (ق ، ت ٢ ، ١٧٩ ، ٧)
ـ أمّا ما حكي عن بعض شيوخنا من امتناع إطلاق