تبارك وتعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤) ، وزعموا أنّ ذلك يدلّ على اتّصاف العباد بالخلق والاختراع (ج ، ش ، ٢٢٢ ، ١٤)
ـ إنّ الخلق قد يراد به التقدير ، ومن ذلك سمّي الحذّاء خالقا لتقديره طاقة من النعل بطاقة ، ومنه قول القائل : ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري (ج ، ش ، ٢٢٢ ، ١٥)
ـ الخلق إيجاد الشيء على تقدير واستواء ، يقال خلق النعل : إذا قدّرها وسوّاها بالمقياس (ز ، ك ١ ، ٢٢٨ ، ٤)
ـ إنّ الله عزوجل خلق عباده ليتعبّدهم بالتكليف ، وركّب فيهم العقول والشهوات ، وأزاح العلّة في أقدارهم وتمكينهم وهداهم النجدين ، ووضع في أيديهم زمام الاختيار وأراد منهم الخير والتقوى ، فهم في صورة المرجو منهم أن يتّقوا ليترجّح أمرهم ، وهم مختارون بين الطاعة والعصيان كما ترجّحت حال المرتجى بين أن يفعل وأن لا يفعل (ز ، ك ١ ، ٢٣١ ، ١)
ـ " خلقه" أول مفعولي أعطى : أي أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به أو ثانيهما : أي أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار والأذن الشكل الذي هو يوافق الاستماع ، وكذلك الأنف واليد والرجل واللسان كل واحد منها مطابق لما علّق به من المنفعة غير ناب عنه ، أو أعطى كل حيوان نظيره في الخلق والصورة حيث جعل الحصان والحجر زوجين والبعير والناقة والرجل والمرأة ، فلم يزاوج منها شيئا غير جنسه وما هو على خلاف خلقه. وقرئ خلقه صفة للمضاف أو للمضاف إليه : أي كل شيء خلقه الله لم يخله من عطائه وإنعامه (ز ، ك ٢ ، ٥٣٩ ، ١٤)
ـ نعيد أوّل الخلق كما بدأناه تشبيها للإعادة بالإبداء في تناول القدرة لهما على السواء. فإن قلت : وما أوّل الخلق حتى يعيده كما بدأه؟ قلت : أوّله إيجاده عن العدم ، فكما أوجده أولا عن عدم يعيده ثانيا عن عدم. فإن قلت : ما بال خلق منكرا؟ قلت : هو كقولك هو أوّل رجل جاءني تريد أوّل الرجال ، ولكنّك وجدته ونكرته إرادة تفصيلهم رجلا رجلا ، فكذلك معنى أوّل خلق أوّل الخلق ، بمعنى أوّل الخلائق لأنّ الخلق مصدر لا يجمع (ز ، ك ٢ ، ٥٨٥ ، ١٤)
ـ أراد بالخلق السموات كأنّه قال : خلقناها فوقهم (وَما كُنَّا) (المؤمنون : ١٧) عنها (غافِلِينَ) (المؤمنون : ١٧) عن حفظها وإمساكها أن تقع فوقهم بقدرتنا ؛ أو أراد به الناس وأنّه إنّما خلقها فوقهم ليفتح عليهم الأرزاق والبركات منها وينفعهم بأنواع منافعها وما كان غافلا عنهم وما يصلحهم (بقدر) بتقدير يسلمون معه من المضرّة ويصلون إلى المنفعة ، أو بمقدار ما علمناه من حاجاتهم ومصالحهم (ز ، ك ٣ ، ٢٨ ، ١٨)
ـ إن قلت : في الخلق معنى التقدير فما معنى قوله (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان : ٢) كأنّه قال وقدر كل شيء فقدّره؟ قلت : المعنى أنّه أحدث كل شيء إحداثا مراعى فيه التقدير والتسوية فقدّره وهيّأه لما يصلح له ، مثاله أنّه خلق الإنسان على هذا الشكل المقدّر المسوّى الذي تراه ، فقدّره للتكاليف والمصالح المنوطة في بابي الدين والدنيا ، وكذلك كل حيوان