لغير فاعل فهذا قول أهل الدهر نصّا ، ويكلّمون حينئذ بما يكلّم به أهل الدهر ، وإن قالوا أنّها أفعال الأجرام ، كانوا قد جعلوا الجمادات فاعلة مخترعة وهذا باطل محال ، وهو أيضا غير قولهم فالطبيعة لا تفعل شيئا مخترعة له وإنّما الفاعل لما ظهر منها خالق الطبيعة ، والمظهر منها ما ظهر فهو خالق الكل ولا بدّ ولله الحمد ومنها قوله تعالى : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (الصافات : ٩٥ ـ ٩٦) وهذا نص جليّ على أنّه تعالى خلق أعمالنا (ح ، ف ٣ ، ٥٧ ، ٤)
ـ الخلق الذي أوجبه الله تعالى لنفسه ونفاه عن غيره هو الاختراع والإبداع وإحداث الشيء من لا شيء بمعنى من عدم إلى وجود (ح ، ف ٣ ، ٦٤ ، ٢١)
ـ أمّا الخلق الذي أوجبه الله تعالى فإنّما هو ظهور الفعل منهم فقط وانفرادهم به ، والله تعالى خالقه فيهم ، وبرهان ذلك أنّ العرب تسمّى الكذب اختلافا والقول الكاذب مختلفا ، وذلك القول بلا شكّ إنّما هو لفظ ومعنى ، واللفظ مركّب من حروف الهجاء ، وقد كان كل ذلك موجود النوع قبل وجود أشخاص هؤلاء المختلقين (ح ، ف ٣ ، ٦٤ ، ٢٣)
ـ إنّ لفظة الخلق مشتركة تقع على معنيين : أحدهما لله تعالى لا لأحد دونه وهو الإبداع من عدم إلى وجود ، والثاني الكذب فيما لم يكن أو ظهور فعل لم يتقدّم لغيره ، أو نفاذ فيما حاول ، وهذا كله موجود من الحيوان ، والله تعالى خالق كل ذلك (ح ، ف ٣ ، ٦٥ ، ١٤)
ـ إنّ الخلق هو الإبداع والاختراع (ح ، ف ٣ ، ٨٢ ، ١٨)
ـ أما وصف الكلام وغيره من الأفعال بأنّه مخلوق فمعناه أنّه مفعول على حدّ يطابق الغرض ، لأنّ الخلق هو التقدير ، فكأنّه قد صار مقدّرا بالغرض والدّاعي. وسائر أفعال الله تعالى موصوفة بذلك لثبوت ذلك الوجه فيها ، وعلى هذا قال تعالى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) (المائدة : ١١٠) لما كان مقدّرا. وقال أهل اللغة : خلقت الأديم : إذا قدّرته ، فصارت هذه موضوعة للتفرقة بين ما يقع على هذا الحدّ وبين غيره ، وهذا هو الصحيح وهو قول أبي علي (أ ، ت ، ٤٢٧ ، ٨)
ـ أما الشيخان : أبو هاشم وأبو عبد الله ، فإنّهما أثبتا المخلوق مخلوقا بخلق ثم اختلفا : فقال أبو هاشم : إنّ الخلق هو الإرادة ، وقال في أفعال الله تعالى كلّها إنّها مخلوقة ، ما خلا الإرادة فإنّها لا توصف بذلك إلّا من حيث العرف. وقريب من هذا المذهب يحكى عن أبي الهذيل لأنّه يذهب في الخلق إلى أنّه قول أو إرادة. وقال الشيخ أبو عبد الله : بل الخلق هو فكر ، ولو كان ورود السمع بوصف أفعال الله تعالى بأنّها مخلوقة ، كنت لا أجري هذا الوصف عليها من حيث اللغة. وإنّما اخترنا المذهب الأول لأنّه إذا أمكن في فائدة الاسم أن يصرف إلى التفرقة بينه وبين غيره ، فلا معنى للقول بأنّه مشتقّ من معنى هو إرادة أو فكر. وعلى هذا يطرد استعماله في كل فعل وقع على ضرب من التقدير. كما أنّ الكسب هو الفعل الواقع على وجه هذا ، ولو كان مشتقّا لوجب تقدّم العلم بما يشتقّ منه من إرادة أو فكر ، لأنّ هذا سبيل الأسامي المشتقّة ، وقد عرفنا أنّهم يطلقون ذلك مع الجهل بهما (أ ، ت ، ٤٢٧ ، ١٤)
ـ (المعتزلة) يستدلّون في خلق الأعمال بقوله