صدقا. وقد بيّنا أنّ ما يفعله المنتبه من نومه من الاعتقاد ، لما تعلّق وجوده بتذكّر النظر ، حلّ محل الاعتقاد الواقع عن النظر في أنّه يحسن الإقدام عليه. وبيّنا أنّ المكلّف يعلم ، في الجملة ، أنّ النظر إن أوجب اعتقادا ، فمن حقّه أن لا يكون جهلا ؛ لعلمه بأنّ ما أوجب الجهل يجب أن يقبح. فإذا علم حسن النظر ، بطل عنده أن يولّد الجهل (ق ، غ ١٢ ، ٢٩٤ ، ١٣)
ـ إنّ الخبر إذا كان صدقا ، يتعلّق بالشيء على ما هو به ، لا أنّه يصير على ما هو به بالخبر (ق ، غ ١٤ ، ١٩٠ ، ٨)
ـ إنّ الخبر الواقع من قبله تعالى ، لو علمناه ، ولا معجز ، لدلّ كدلالة المعجز. لكنّه لا سبيل لنا إلى أن نعلمه إلّا إذا كان نفس الخبر معجزا ، أو يقترن به المعجز ، فتعود الحال ، في ذلك ، إلى أنّه لا يجوز أن يدلّ ، من قبله تعالى على النبوّات ، إلّا المعجزات. وإنّما كان كذلك ، لأنّ الخبر ، إذا وقع من أحدنا اضطررنا إلى مقاصده ؛ فصحّ أن نعلمه ، واقعا من قبله ودالّا على ما يدلّ عليه ، وإن لم يقترن به معجز ، كما يعلم من تصرّفه الواقع بحسب أحواله ، أنّه فعله ، وإن لم يقترن به معجز. وليس الخبر ، إذا وقع من القديم تعالى ، كذلك ؛ لأنّا لا نعلم أنّه من قبله ، كما (لا) نعلم في حركات الأجسام ذلك. فلا بدّ من أمر يقترن به نعلم به أنّه من قبله. وذلك الأمر لا بدّ من أن يكون مما لا يصحّ إلّا من جهته ؛ لأنّه إن صحّ من غيره من الفاعلين ، فالحال فيه كالحال في الكلام والحركات. ولا بدّ من أن يكون واقعا لا بالعادة ؛ لأنّ ما هذه حاله لا يعلم أنّه فعل لأجل ما قارنه. ولا يكون كذلك إلّا وهو معجز على ما نقوله. فقد ثبت أن الخبر من قبله تعالى ، إذا انفرد ، لا يدلّ ؛ حتى إذا قارنه المعجز دلّ (ق ، غ ١٥ ، ١٥٠ ، ٨)
ـ اعلم أنّ الخبر هو كلام مخصوص. ومتى أجرى على غيره فعلى طريق المجاز ؛ لأنّهم ربما أطلقوا ، فيما أفاد فائدة الكلام ، أنّه خبر. وعلى هذا الوجه قال الشاعر : تخبّرني العينان ما القلب كاتم ولا جنّ بالبغضاء والنظر الشرر ، وقد يكثر ذلك في المخاطبة عند الإشارة والدلالة. وكل ذلك مجاز. وعلى هذا الوجه ، قال العلماء باللغة في الخبر : إنّه الكلام الذي يصحّ فيه الصدق والكذب ؛ لأنّ في أقسام الكلام ، إذا خاطب به المخاطب لا يصحّ من المخاطب أن يقول فيه : صدقت أو كذبت ، (كالأمر والنهي إلى غيرهما. ومتى أفرد الخبر صحّ من المخاطب أن يقول فيه : صدقت أو كذبت) فكل كلام كان هذا حاله انطلق اسم الخبر عليه. وقد بيّنوا أن موضع الفائدة هو الخبر ، لا في مقدّمته ، التي الخبر متعلّق بها ومضاف إليها. وذلك مما لا بدّ منه ؛ لأنّ الشخص والعين لا يصحّ معنى الخبر فيهما ، وإنّما يصحّ في أحوالهما ، وأحكامهما ، وأفعالهما ، وسائر ما يتّصل بهما. فإذا قال القائل : زيد ضارب ، فالخبر ، وإن كان قد يطلق في جملته ، فهو في الاسم الثاني ، دون الاسم الأوّل الذي ذكره الذاكر تعريفا ووصلة إلى إفادة المراد (ق ، غ ١٥ ، ٣١٩ ، ٣)
ـ في بيان ماله يكون الخبر خبرا : اعلم أنّه لا يكفي في كونه خبرا صيغة القول ونظامه ، ولا المواضعة المتقدّمة ؛ بل لا بدّ فيه من أن يكون المتكلّم مريدا للإخبار به عمّا هو خبر عنه ؛ لأنّ جميع ما قدّمناه قد يحصل ، ولا يكون خبرا ، إذا لم يكن مريدا لما قلناه. ومتى حصل مريدا