٣٩ ، ٩)
ـ إنّ الله جلّ ثناؤه جعل السبب الذي به درك كل خارج عن الحسن وجهين : أحدهما الاستدلال بالذي عاين إذا اتصل الغائب بالذي عاين كاتصال دخان بالنار ، وضياء الشمس بها ، وكاتصال أثر الفعل بالفاعل نحو الكتابة والبنيان ونحو ذلك. والثاني الخبر ينبئ عن حال ذلك نحو البلدان النائية والأحوال المتغيرة والأمور النازلة ، معروف ذلك عند جميع العقلاء ، وبذلك معرفة الإنسان الأجناس والفصول والأنواع ، وأنواع الطب واللسان وعلوم الصناعات والحروب وغير ذلك (م ، ح ، ١٨٣ ، ١٦)
ـ نعرف الأمر والنهي ، والوعد والوعيد ، فيما ليس بمحسوس دليله ، لا وجه لإدراكه إلّا بالخبر ، وذلك نحو المباح / والمحظور ، وما فيه كل شيء من مختلف الأحوال ، فيلزم في نحو هذا القول بالخبر ، وفيه إيجاب القول بالرسالة (م ، ح ، ١٨٣ ، ٢٠)
ـ قد علم أنّ ظهور الخبر بمجيء القرآن من جهة النبي ، صلى الله عليه ، أعظم وحاله أشهر ؛ فوجب أن يكون ما تواتر الخبر عنه على هذه السبيل والعلم به اضطرارا لا يمكن جحده ولا الشك فيه ، ولا يحتاج في إثباته إلى استعمال الرّوية والنظر في الأدلة (ب ، ت ، ١١٥ ، ٦)
ـ إن قال قائل : ما معنى وصفكم للشيء بأنّه خبر؟ قيل له : معنى ذلك أنّه ما يصح أن يدخله الصدق أو الكذب ؛ لأنّه متى أمكن دخول الصدق أو الكذب فيه ، كان خبرا ؛ ومتى لم يمكن ذلك فيه ، خرج عن أن يكون خبرا ، وبهذا الاختصاص فارق الخبر ما ليس بخبر من الكلام وسائر الذوات التي ليست بخبر (ب ، ت ، ١٦٠ ، ١٦)
ـ إنّ الخبر لا يعلم بصيغته أنّه صدق أو كذب" حتى إذا علم حال المخبر صحّ أن نعلم ذلك" وعلمنا أنّ ما أخبر جلّ وعزّ عنه في القرآن لم يتقدّم لنا العلم بحال مخبره ، فيجب أن لا يعلم أنّه صدق إلّا بعد العلم بحال المخبر وأنّه حكيم. والقول في الأمر والنهي كالقول في الخبر (ق ، م ١ ، ١ ، ١٣)
ـ لا يصحّ أن يعلم أنّ الخبر صدق بنفسه ، لأنّه إنّما يدلّ على حال غيره لا على حال نفسه. وإن علم أنّه صدق بخبر آخر لم يخل من أن يكون واردا عن الله عزوجل أو عن غيره ، ولا يجوز أن يرجع إلى خبر غيره. وخبره عزوجل إذا رجع إليه ولمّا علم حاله في الحكمة فكأنّه استدلّ على أنّه صادق في سائر أخباره ، ومتى جوّز في سائر أخباره الكذب يجوز في هذا الخبر مثله ، فلا يصحّ النقد به. ولذلك قلنا : إنّ المجبّرة إذ جوّزت عليه عزوجل أن يفعل القبيح لا يمكنها المعرفة بصدقه عزوجل ، لا من جهة العقل ، ولا من جهة السمع (ق ، م ١ ، ٢ ، ١٢)
ـ اعلم أنّ الخبر والدلالة والعلم بمنزلة سواء في أنها لا تؤثّر فيما تتعلّق به ، وإنّما تتناوله على ما هو عليه. ولو أثّرت فيه لوجب إذا أخبرنا ودللنا وعلمنا عن القديم تعالى وأوصافه ، أن نكون قد جعلناه على ما هو به بالخبر والدلالة والعلم! وكان يجب إذا كان فعلنا يقع لأجل علمه تعالى ، ألا يكون لنا في ذلك صنع البتّة وأن يزول الذمّ والمدح. وكان لا يكون العلم بأن يوجب كون المعلوم بأولى من أن يكون المعلوم موجبا للعلم ، لأنّه كما يجب أن يكون على ما يتناوله ، فكذلك العلم بأن يكون علما لوقوع