حق مطلق
ـ يمكن أن يقال في معنى الحقّ المطلق إنّه هو الذي تحقّق كونه وصحّ وجوده وإنّه يكون باطلا ويكون معصية ومنهيّا عنه. فإذا قلنا إنّ ذلك معنى الحقّ المطلق اطّرد ذلك في تسميتنا لله حقّا ولكلامه حقّا. ألا ترى أنّ الله تعالى سمّى نفسه حقّا فقال (أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) (النور : ٢٥) ، وسمّى كلامه حقّا فقال تعالى (قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ) (الأنعام : ٧٣). ويقال إنّ الجنّة حقّ والنار حقّ والبعض حقّ والموت حقّ على معنى أنّ ذلك ممّا هو كائن أو سيكون لا محالة (أ ، م ، ٢٥ ، ١٦)
حقيقة
ـ في إثبات الحقيقة والمجاز وفي حدّها : أمّا إثباتهما في اللغة فظاهر في الجملة ، لقول أهل اللغة : " هذا الاسم حقيقة ، وهذا الاسم مجاز". وإذا عرفنا ماهيتهما ، تكلّمنا في إثباتهما على التفصيل. فأمّا حدّهما ، فهو أنّ" الحقيقة" ما أفيد بها ما وضعت له في أصل الاصطلاح الذي وقع التخاطب به. وقد دخل في هذا الحدّ الحقيقة اللغوية ، والعرفية ، والشرعية." والمجاز" هو ما أفيد به معنى مصطلحا عليه ، غير ما اصطلح عليه في أصل تلك المواضعة التي وقع التخاطب فيها (ب ، م ، ١٦ ، ١٧)
ـ قد حدّ الشيخ أبو عبد الله أخيرا" الحقيقة" بأنّها ما أفيد بها ما وضعت له. وحدّ" المجاز" بأنّه ما أفيد به غير ما وضع له. وهذا يلزم عليه أن يكون من استعمل اسم" السماء" في" الأرض" قد يجوّز به ، لأنّه قد أفاد به غير ما وضع له (ب ، م ، ١٧ ، ٩)
ـ حدّ الشيخ أبو عبد الله رحمهالله أولا" الحقيقة" بأنّه ما انتظم لفظها معناها من غير زيادة ولا نقصان ولا نقل. وحدّ" المجاز" بأنّه ما لا ينتظم لفظه معناه إما لزيادة أو لنقصان أو لنقل عن موضعه. فالذي لا ينتظم لفظه معناه لأجل زيادة ، هو الذي ينتظم المعنى إذا أسقطت الزيادة ، نحو قوله سبحانه : ... (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ... (الشورى : ١١).
فإنّ الكاف زائدة. فمتى أسقطناها صار" ليس مثله شيء". وأمّا الذي لا ينتظم المعنى لأجل النقصان ، فهو الذي ينتظمه إذا زدنا في الكلام ما نقص منه ، نحو قوله عزوجل : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) ... (يوسف : ٨٢). لأنّه قد أسقط من الكلام" أهل القرية". ومثال نقل من موضعه ، قول القائل : رأيت الأسد. وهو يعني الرجل الشجاع (ب ، م ، ١٨ ، ٦)
ـ قاضي القضاة رحمهالله يذهب إلى تصحيح الحدّ الذي ذكره أبو عبد الله أخيرا ، ويقول : إنّ ما ذكره أولا هو صفة الحقيقة والمجاز ، وليس بحدّ. قال لأنّ الاسم إذا كان تارة حقيقة أو أفيد به غير ما وضع له ، فيكون مجازا. ولقائل أن يقول : بل الغير الذي به يكون حقيقة ، هو أن ينتظم لفظه معناه من غير زيادة ولا نقصان ولا نقل. والذي به يكون مجازا ضدّ ذلك. والذي ينصر به الحدّ ، هو أنّ المجاز مقابل للحقيقة. فحدّ أحدهما يجب كونه مقابلا لحدّ الآخر. والمفهوم من قولنا" مجاز" ، هو أنّه قد يجوز به ، ونقل عن موضعه الذي هو ألحق به. وهذا هو معنى ما حدّدنا به" المجاز". فيجب أن يكون حدّ" الحقيقة" ما لم ينقل عن موضعه. وهذا معنى ما حدّدنا به" الحقيقة" (ب ، م ، ١٩ ، ٦)