تمكين من القبيح
ـ إنّ في الشاهد يحسن من الواحد منّا إدلاء الحبل إلى الغريق وإن كان يغلب على الظنّ أنّه يترك التشبّث به ، ولا يحسن إدلاؤه إليه إذا كان المعلوم أنّه يقتل به نفسه على وجه لولاه كان يتخلّص من القتل. فكما تجب التفرقة بين هذين في الشاهد فكذلك في الغائب. ولذلك جعلنا التمكين من القبح والحسن أصلا مخالفا للاستفساد واللطف في القبيح ، فقلنا : إنّ اللطف في القبيح في حكمه ، والتمكين من القبيح لا يجب أن يكون في حكمه. بل متى وقع على الوجه الذي قدّمناه كان حسنا. وليس لأحد أن يلزمنا حمل التمكين على المفسدة ، من حيث ثبت أنّ الشاهد قد فرّق بين الأمرين ، ولأنّ ما قدّمناه قد أوجب افتراقهما ، ولأنّ التمكين من الكفر هو بنفسه تمكين من الإيمان وإنّما يصير تعريضا لأحدهما دون الآخر بالقصد ، وليس كذلك اللطف في القبيح لأنّه لا يجب أن يكون لطفا في الحسن فصحّ القضاء بأن حكمه حكم ما هو لطف فيه في الحسن والقبح ، وإن كنّا نعلم أنه متى اختصّ بكونه لطفا في القبيح يجب قبحه ، وإن كان لطفا في الحسن أيضا ؛ لأنّ ثبوت وجه من وجوه القبح فيه يحيل كونه حسنا ، كما نقوله في الكذب المختصّ بأنّ فيه نفعا أو دفع ضرر (ق ، غ ١١ ، ٢١٧ ، ١٥)
تمنّ
ـ على أنّ القول في الشاهد فيما في الحقيقة إرادة فهي التي تكون وبها الفعل لا محالة عندنا يكون معها ، وعند المعتزلة قبل الفعل بلا فصل ، وما عدا ذلك مما قد يكون الفعل إذا وجد ولا يكون فهو التمني المعروف ، والله يجلّ عن هذا الوصف ، ثبت أنّ إرادته على الوجه الأول ، وأنّه يتحقق الفعل على الوجه الذي أراد به (م ، ح ، ٣٠٥ ، ١٠)
ـ إنّ التمنّي ليس من الإرادة في شيء ، وإنّما هو من أقسام الكلام ، ولهذا يعدّه أهل اللغة في ذلك فيقولون : الكلام أمر وخبر واستخبار وعرض وتمنّ. وبعد ، فإنّ أحدنا قد يريد وجود الحلاوة واللون في محل فيحصل أحدهما ولا يحصل الآخر ، ولو جاز أن يقال إنّ أحدهما تمنّ لجاز مثله في الآخر ، إذ لا يمكن الفصل بينهما (ق ، ش ، ٤٤٢ ، ٦)
ـ أمّا مفارقة الإرادة للتمني فبيّن ، وذلك أنّ التمني عند شيخنا أبي علي رحمهالله قول على وصف ، وهو أن يقول ليت كان كذا وكذا أو لم يكن ، إذا قصده على وجه. وعند شيخنا أبي هاشم رحمهالله أنّه معنى في القلب يطابق في تعلّقه بالمتمنّي هذا القول (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٣٧ ، ٣)
ـ أمّا التمنّي فهو شبيه بالظنّ ، فإذا كان مما له فيه غرض حسن ، وإلّا قبح ، لأنّه عيب ، وليس له تعلّق بالغير ، لأنّه إنّما يتمنّى أحوالا ترجع إليه ، أو إلى من يجري مجراه ، ومن يجعله في حيّز الاعتقاد ، يجريه مجراه فيما يحسن ويقبح ، لكنه مقدّر غير حاصل ، فلا يؤثّر فيه أن يكون المتمنّى بخلافه ، لأنّه في الأكثر إنّما يقدر ما يتمناه ، ويكون ما يقدر فيه من الشروط كأنّه حاصل (ق ، غ ١٤ ، ١٥٩ ، ١)
ـ قال أبو القاسم في عيون المسائل أنّ التمني لا يكون إلّا لمعدوم (ن ، م ، ٣٦٦ ، ٢٠)
ـ عند أبي هاشم أنّ أحدنا يجوز أن يتمنى في شيء وقع أن لا يكون وقد وقع ، فيكون هذا