خارج عن ذلك كله ، فلا يصحّ أن يقال : إنّه تمكين (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ١٩ ، ٧)
ـ أمّا الشرائط الرّاجعة إلى الآمر ، فتختلف بحسب الآمرين. فإن كان الآمر هو الله عزوجل ، وجب أن يعلم من حال المكلّف والمأمور به والأمر ما ذكرناه ؛ وأن يكون غرضه تعريض المكلّف للثّواب ، وأن يكون عالما بأنّه سيثيبه إن أطاع ولم تحبط طاعته. وإن كان الآمر لا يعلم الغيب ، وجب أن يعلم حسن ما أمره به ، وثبوت غرض فيه إمّا له أو لغيره ؛ وأن يظنّ أنّ المكلّف سيتمكّن من الفعل التّمكّن الذي ذكرناه. والدّلالة على اشتراط ما ذكرناه ، هو أنّ الله سبحانه ، مع حكمته ، لا يجوز أن يلزمنا المشاق مع إمكان إلزامه إيّانا غير شاق ، إلّا ليجعل في مقابلته الثّواب. وإلّا جرى إلزامه الشّاق مجرى ابتداء المضارّ من غير نفع. ولا يكون غرضه ما ذكرناه إلّا وهو سيثيب المطيع. فإذا كان عالما بما يكون ، فهو عالم أنّه يفعل ذلك. ولا يكون غرضه ما ذكرناه ، إلّا وقد أزاح علل المكلّف بالتّمكّن ، وتردّد الدّواعي التي يزول معها الإلجاء. ويدخل في ذلك الألطاف ورفع المفاسد.
فلذلك لم يرد الأمر منه تعالى على وجه المفسدة. ولأنّه إن لم يكن المكلّف متمكّنا من الأمور التي ذكرناها ، في الوقت الذي يحتاج إليه الفعل ، كان قد كلّفه ما لا يطيقه. وقد دخل في ذلك ما يجب أن يتقدّم من التّمكين والأدلّة والأمارات. وقد دخل تحت تمكّن المكلّف من الفعل أن يكون الفعل غير مستحيل في نفسه. لأنّه لا يجوز أن يتمكّن القادر من فعل ما يستحيل في نفسه. فقد دخلت الشّرائط المذكورة تحت ما ذكرناه (ب ، م ، ١٧٩ ، ١٢)
ـ قرئ إلّا أن يهدي من هداه ، وهداه للمبالغة ، ومنه قولهم تهدى ، ومعناه : أنّ الله وحده هو الذي يهدي للحق بما ركّب في المكلّفين من العقول وأعطاهم من التمكين للنظر في الأدلّة التي نصبها لهم ، وبما لطف بهم ووفقهم وألهمهم وأخطر ببالهم ، ووقفهم على الشرائع ، فهل من شركائكم الذين جعلتم أندادا لله أحد من أشرافهم كالملائكة والمسيح وعزير يهدي إلى الحق مثل هداية الله (ز ، ك ٢ ، ٢٣٧ ، ٧)
ـ (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) (هود : ١١٨) يعني لاضطرّهم إلى أن يكونوا أهل أمّة واحدة : أي ملّة واحدة وهي ملّة الإسلام كقوله (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) (الأنبياء : ٩٢) وهذا الكلام يتضمّن نفي الاضطرار ، وأنّه لم يضطرّهم إلى الاتفاق على دين الحق ، ولكنّه مكّنهم من الاختيار الذي هو أساس التكليف ، فاختار بعضهم الحق وبعضهم الباطل ، فاختلفوا فلذلك قال (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) (هود : ١١٨ ـ ١١٩) إلّا ناسا هداهم الله ولطف بهم فاتّفقوا على دين الحق غير مختلفين فيه (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) (هود : ١١٩) ذلك إشارة إلى ما دلّ عليه الكلام الأوّل وتضمّنه : يعني ولذلك من التمكين والاختيار الذي كان عنه الاختلاف ، خلقهم ليثيب مختار الحق بحسن اختياره ، ويعاقب مختار الباطل بسوء اختياره (ز ، ك ٢ ، ٢٩٩ ، ٦)
ـ التمكين : هو مقام الرسوخ والاستقرار على الاستقامة ، وما دام العبد في الطريق فهو صاحب تلوين لأنّه يرتقي من حال إلى حال وينتقل من وصف إلى وصف ، فإذا وصل واتّصل فقد حصل التمكين (ج ، ت ، ٩٦ ، ٧)