النظر وهذا خلاف لفظيّ ؛ لأنّه إن كان المراد منه أوّل الواجبات المقصودة بالقصد الأول ، فلا شكّ أنّه هو المعرفة عند من يجعلها مقدورة ، والنظر عند من لا يجعل العلم مقدورا ، وإن كان المراد أوّل الواجبات كيف كانت ، فلا شكّ أنّه القصد (ف ، م ، ٤٣ ، ١)
ـ قال عليهالسلام أول الدين معرفته ، لأنّ التقليد باطل ، وأوّل الواجبات الدينيّة المعرفة ، ويمكن أن يقول قائل ألستم تقولون في علم الكلام أوّل الواجبات النظر في طريق معرفة الله تعالى ، وتارة تقولون القصد إلى النظر ، فهل يمكن الجمع بين هذا وبين كلامه عليهالسلام. وجوابه أنّ النظر والقصد إلى النظر إنّما وجبا بالعرض لا بالذات لأنّهما وصلة إلى المعرفة ، والمعرفة هي المقصودة بالوجوب ، وأمير المؤمنين عليهالسلام أراد أوّل واجب مقصود بذاته من الدين معرفة الباري سبحانه ، فلا تناقض بين كلامه وبين آراء المتكلّمين (أ ، ش ١ ، ٢٣ ، ٢٨)
أول وآخر
ـ إن قيل : أليس التقدّم والتأخّر قد يستعمل في غير صفة الوجود ، فهلّا قلتم : إنّ المراد بالآية أنّه الأوّل والآخر في غير صفة الوجود؟ قيل له إنّ قولنا : أوّل وآخر إذا أطلق لا يعقل منه إلا أنّه موجود قبل وجود غيره أو بعد وجود غيره. وإنّما يعقل منه غير ذلك إذا قيّد ؛ كما أن قولنا : فوق وتحت إنّما يفيد الأماكن ، ومتى قيّد صحّ أن يستفاد به غيره ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) (يوسف : ٧٦) (ق ، غ ١١ ، ٤٣٨ ، ١٠)
أولوية
ـ الأولويّة لا توجب الوجوب ولا تنافيه ... وإنّما يجب تقديم الأعمّ في الحدود التامّة لا غير ، لأنّ الأعمّ فيها هو الجنس ، وهو يدلّ على شيء مبهم يحصّله الأخصّ الّذي هو الفصل. ومن تقديم الأخصّ على الأعمّ يختلّ الجزء الصّوريّ من الحدّ ، فلا يكون تامّا مشتملا على جميع الأجزاء. أمّا في غير الحدّ التامّ فتقديم الأعرف أولى وليس بواجب (ط ، م ، ١١ ، ٢٣)
إيثار
ـ قال قوم : الإيثار هو الاختيار والإرادة ، والمراد لا يكون إيثارا ولا اختيارا ، وقال قوم : الإيثار هو الإرادة ، والاختيار قد يكون إرادة وقد يكون مرادا (ش ، ق ، ٤٢٠ ، ١١)
ـ أمّا الاختيار فتارة يستعمل في الفعل المراد متى وقع لا على طريق الإلجاء والحمل ، وتارة في نفس الإرادة ، فلا بدّ من أن تكون هي والفعل جميعا من قبل واحد وأن لا يثبت إلجاء وحمل. وقد يستعمل على طريق التجوّز في فعل الغير والحال في الإيثار يجري مجرى الحال في الاختيار في صحّة استعماله على الوجهين وفي صحّة التجوّز به في فعل الغير (ق ، ت ١ ، ٢٩٧ ، ٢٢)
ـ أمّا الإيثار فهو إرادة الشيء الذي يختاره على غيره ، وقد يقال إنّه آثر الشيء إذا فعله من غير منع (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥٨ ، ٩)
ـ إنّ الإرادة لا تدعو إلى فعل القبيح ، وإنّما يفعل للداعي الذي له يفعل المراد ، لا أنّها داعية في الحقيقة ؛ لأنّ من حق الداعي إلى الفعل أن يتقدّمه ، والإرادة تقارن إذا كانت اختيارا وإيثارا (ق ، غ ١١ ، ١١٩ ، ١٤)