يكون منعما عليهم ، وإن خلقهم أحياء ، لمّا لم يخلقهم لينفعهم بل ليضرّهم ، فلا بدّ من اعتبار هذه الوجوه الثلاثة : الخلق ، والحياة ، وأن يكون غرضه به نفعه (ق ، ش ، ٨٣ ، ٥)
ـ ليس لأحد أن يقول ، يجب أن يفعل تعالى إرادة خلق ذلك الحيّ لينفعه ، وإلّا لم يحسن منه خلقه. ويستشهد على ذلك بما نقوله : من أنّ أوّل النعمة هو خلقه تعالى العبد حيّا لكي ينفعه. وذلك لأنّه تعالى إذا خلق الخلق مع الأمر الذي يتنعّم به في الحال ، ومع الشهوة التي معها يلتذّ ، فقد حصل منعما بمجرّد ذلك ، ولا يحتاج إلى القصد الذي سأل عنه ، وإنّما يشرط ذلك في كون الحيّ يخلقه ويبقيه ، فيصحّ أن يضرّه في المستقبل كما يصحّ أن ينفعه. فأمّا إذا بنى القول على ما قدّمناه فلا وجه لهذا الشرط. ولذلك قلنا : إنّ من أوصل إلى غيره نفعا مخصوصا فهو محسن ، وإن لم يقصد ذلك ، بل لو كان ساهيا عن ذلك لم يخرج الفعل من أن يكون حسنا ؛ لأنّ وجه حسنه لا يتعلّق بالقصد ولا الإرادة تؤثّر فيه ، فإذا صحّ ذلك وجب القضاء بأنّ خلقه تعالى الحيّ مع الشهوة يكون حسنا وإن لم يرد ما سأل عنه السائل. وثبت أن إرادته لإيجاد ذلك إنّما يجب وجودها من حيث (ما) ذكرناه ، لا لأنّها لو عدمت لم يكن الفعل حسنا (ق ، غ ١١ ، ٧٣ ، ١٩)
أول الواجبات
ـ كان يقول (الأشعري) إنّ أوّل الواجبات من ذلك بالسمع النظر والاستدلال المؤدّيان إلى معرفة الله تبارك وتعالى ، وإنّ طريق المعرفة بوجوب ذلك أيضا السمع ، وإنّه لا يجب على أحد شيء من جهة العقول ، وإنّ لا طريق لأحد إلى معرفة الواجبات من جهتها إلّا الواجب الذي يرجع إلى حكم الشيء بالوجوب له ممّا لا يتعلّق بالفعل والترك ، كقولنا إنّ الواجب في حكم الموجود أن يكون له أوّل أو لا أوّل له ، والواجب في حكم الجواهر أن تكون متقاربة أو متباعدة ، كل واحد منها إلى جانب صاحبه أو لا إلى جانبه ، وليس بينهما واسطة. وهذا وجوب ليس من جهة العقل وإنّما هو وجوب من طريق الحكم للشيء في نفسه على الوجه الذي يدلّ عليه العقل ويقتضي كونه كذلك (أ ، م ، ٣٢ ، ٩)
ـ إنّ أوّل الواجبات على البالغ العاقل النظر والاستدلال المؤدّيان إلى معرفة الله تعالى. وربّما قال إنّ أوّل الواجبات المعرفة بالله تعالى على شرط تقدّم النظر والاستدلال ، لأنّه لا يصحّ وقوع تلك المعرفة إلّا عن النظر والاستدلال (أ ، م ، ٢٥٠ ، ١)
ـ إنّ النظر في طريق معرفة الله تعالى أوّل الواجبات (ق ، ش ، ٦٩ ، ١٣)
ـ إنّ أوّل الواجبات على المكلّف النظر والاستدلال المؤدّي ... إلى المعرفة بالله تعالى وبصفاته وتوحيده وعدله وحكمته. ثم النظر والاستدلال المؤدّي ... إلى جواز إرسال الرسل منه وجواز تكليف العباد ما شاء. ثم النظر المؤدّي إلى وجوب الإرسال والتكليف منه. ثم النظر المؤدّي إلى تفصيل أركان الشريعة ثم العمل بما يلزمه منها على شروطه (ب ، أ ، ٢١٠ ، ١٠)
ـ اختلفوا في أوّل الواجبات. منهم من قال : هو المعرفة ، ومنهم من قال : هو النظر المفيد للمعرفة ، ومنهم من قال : هو القصد إلى هذا