ـ إنّ الإنسان الفاعل لو كان هذه الجملة وهي لا تفعل في جميع أجزائها الفعل لكان قد خرج عن أن يكون فاعلا ، فأثبت الإنسان غير هذه الجملة. ولم يصحّ عنده (معمّر) أن يكون لبعض الأعضاء من الاختصاص في كونه فاعلا إلّا ما لبعض ، فخرج عن القول بأنّ الإنسان هو هذه الجملة أو شيء في هذه الجملة (ق ، ت ٢ ، ٢٤٤ ، ٧)
ـ ذهب آخرون إلى أنّ الإنسان وإن لم يكن هذه الجملة فله بالجملة تعلّق. واختلفوا ، ففيهم من جعله روحا في القلب لا يدخل تحت الإدراك ، على ما حكاه في الكتاب عن الأسواريّ. وحكي عن آخرين أنّهم جعلوه جزءا لا يتجزّأ وجعلوا محلّه القلب ، وهو مذهب الفوطيّ. وزعم هؤلاء أنّ الذي في القلب يسخّر هذه الجملة. وقريب من ذلك يحكى عن معمّر. وحكي عن ابن الراوندي أنّه كان يرى أنّ الإنسان شيء في القلب والجوارح مسخّرة له تقدم بإقدامه وتمسك بإمساكه ، وأنّه أثبت في البدن أرواحا كثيرة وإليها يرجع الحسّ والإدراك والتألّم. ولا تثبت القدرة في شيء من المحالّ إلّا في القلب ، فلذلك صارت الجوارح مسخّرة له خاصّة (ق ، ت ٢ ، ٢٤٤ ، ١٨)
ـ ثم قال رحمهالله : وهرب بعضهم عن هذه المقالات في الإنسان إلى مذاهب أخر. فمن جملتها ما قاله النظّام إنّ الإنسان روح بسيطة قد تشابكت هذا الجسد. ويرجع بالمشابكة إلى المداخلة التي يجوّزها في الأجسام. ثم زعم أنّ هذا الروح هو الحياة. وكان عنده أنّ الحياة ليست عرضا من الأعراض ، فأثبت أحدنا حيّا لنفسه. وكذلك الحال في القادر والعالم. وجعل هذه الجملة في حكم القالب لتلك الروح البسيطة. فشابه مذهبه مذهب القائلين بالتناسخ لكنّه لم يجوّز أن تنتقل الروح في الهياكل على ما جوّزه أهل التناسخ. وإنّما تمّ له هذه الجملة لاعتقاده اختلاف الأجسام فجعل بعضها بصفة الحياة التي نثبتها عرضا ، لمّا نفى أن يكون هاهنا من الأعراض غير الحركة. حتى إذا قيل له : فلم صار ما جعلته روحا هو الإنسان دون غيره ، وهلّا صحّ فيما هو من جنس الأجسام الأخر أن يجوز كونه حيّا؟ قال عند ذلك : إنّ هذا الحيّ الذي يصحّ كونه حيّا مخالفا في الجنس لغيره الذي لا يصحّ كونه حيّا. فلهذا خصّصت هذه القضية بما جعلته روحا دون الأجسام الكثيفة وخصّصته بما هو باطن في هذا الجسد دون نفس الجسد (ق ، ت ٢ ، ٢٤٦ ، ١٥)
ـ حكى رحمهالله قول من يقول إنّ الإنسان هو جسم رقيق مشتاب في هذا الكثيف متشكّل بشكله حتى يكون في كل عضو من أعضائه شيء مما قد جعله إنسانا. فإذا قطع عضو من أعضائه تقلّص عنه ما فيه ، فإذا امتنع التقلّص مات. وهذه طريقة سلكها أبو بكر الإخشيذ ، وقد ذهب غيره قبله إليه (ق ، ت ٢ ، ٢٤٨ ، ١٥)
ـ حكى قول من يقول إنّ الإنسان هو هذا الجسد الظاهر وما فيه من الروح فجعلوا الإنسان مجموع الأمرين ، على ما حكي عن بشر بن المعتمر. وحكي عن هشام بن الحكم أنّه قال بمثل ذلك ، لكنّه خالفه من حيث انّ بشر بن المعتمر يقول : هما حيّان أعني الجسد الظاهر والروح ، وقال هشام إنّ الجسد موات والروح هو المدرك الحي. وكأنّهم رأوا أنّه لا يتمّ كونه حيّا إلّا بالأمرين فجمعوا بينهما (ق ، ت ٢ ،