فوصف بأنّه ملجأ
لأجله على جهة التوسّع أو لأنّهم اعتقدوا فيه أنّه يوجب هذه الحالة كالعلل ،
فأتبعوا الاسم الاعتقاد كصنيعهم في غير ذلك من العبارات (ق ، غ ٨ ، ١٦٦ ، ١٦)
ـ قال شيخنا أبو
هاشم ، رحمهالله : إنّه تعالى لو ألجأ العبد إلى الجهل والكذب ، كان لا
يستحقّ به الذمّ والعقاب ، ولكان مقدورا في فعله. وإن كان الإلجاء ، إذا لم يؤثّر
في الوجه الذي له قبح ، لم يخرجه عن كونه قبيحا. ولذلك قلنا : إنّ نهيه عن هذا
القبيح لا يحسن. وكذلك لا يحسن أمره بالحسن مع الإلجاء. وهذا ، نحو الهارب من سبع
يقبل عليه ، يخشى أن يفترسه ؛ فلذلك صار ما يلحقه من الحكم كأنّه فعل السبع ، فوجب
العوض عليه ، على ما نشرحه في كتاب العوض. فصار الإلجاء من حيث أخرج الملجأ من أن
يتعلّق الفعل باختياره ، مصيرا للفعل في الحكم كأنّه فعل غيره. فوجب أن تزول عنه
الأحكام التي من شأنها أن تتبع اختياره للأفعال ، وتثبت فيه أحكام ما لا يتعلّق
فيه باختياره (ق ، غ ٨ ، ١٧٢ ، ١٧)
ـ إنّ الإلجاء ليس
بعلّة موجبة ، وإنّما يقوّي دواعي الملجأ إلى الفعل ، فما لم يتغيّر حاله فيجب
وجود الفعل منه ، وإن كان يصحّ ألّا يوجد منه بأن يتغيّر حاله في الإلجاء ، وليس
كذلك لو فعل الفاعل لعلّة موجبة ، لأنّها كانت في صرف ذلك الفعل عن هذا الفاعل
أقوى من فعل زيد الذي يجب ألّا يكون فعلا لغيره ، لاستغنائه في الوجود بزيد عن
غيره (ق ، غ ١١ ، ٩٦ ، ٦)
ـ حدّ الإلجاء في
الأشروسنيّات الأوّلة بأنّها ما يقتضي ألّا يجوز منه وقوع غير ما ألجئ إليه مع
قدرته على ذلك وارتفاع الموانع. وذكر بأنّ ذلك تقريب في الجواب وإن كان ينوب عن
التحقيق : قال ـ رحمهالله ـ (أبو هاشم) :
لأنّا نقول في الملجأ : إنّه لا يجوز أن يقع منه غير ما ألجئ إليه ، ونقول في
القادر : لا يجوز أن يقع منه وجود الضدّين. ونقول في القديم ـ تعالى ـ : لا يجوز
وقوع الظلم منه. ونقول في المكلّف : لا يجوز منه الكفر ، بمعنى لا يحلّ. والعبارات
متّفقة ، والأغراض مختلفة. ولا يمكن تلخيص عبارة تختصّ الإلجاء ، كما تلخّص
العبارة في حدّ المتحرك وحدّ الجسم. فلذلك قلنا : إنّ ما ذكرناه في الإلجاء تقريب (ق
، غ ١١ ، ٣٩٥ ، ١١)
ـ بيّن شيخنا أبو
هاشم ـ رحمهالله ـ في الأشروسنيّات
الثانية ، ... إنّ الإلجاء هو كل شيء إذا فعل بالقادر خرج من أن يستحقّ المدح على
فعل ما ألجئ إليه أو على ألّا يفعل ما ألجئ إلى ألّا يفعله. فذكر أنّ الأصل في
الإلجاء أن يكون محمولا على الفعل بأمر فعل به ليخرج من أن يكون في حكم المختار
للفعل لأغراض مجتمعة تخصّه. وهذا بيّن في كثير من أسباب الإلجاء وإن لم يستمرّ في
جميعه ؛ لأنّ العالم بما أعدّه الله في الجنّة والنار هو ملجأ إلى دخول الجنّة ،
وهو غير محمول عليه. وكذلك من علم أنّه ينتفع بالأكل ولا مضرّة عليه في تركه هو
ملجأ إلى الأكل ، ولا يكاد يقال : إنّه محمول عليه. وإنّما يكثر استعمال ذلك فيمن
تخوّف من أمر فيهرب عنه إلى غيره. فأمّا إذا لم تكن الحال هذه فاستعمال هذه اللفظة
فيه يقلّ. ولذلك لا يقال في العالم إنّه إن حاول قتل ملك الروم حيل بينه وبينه :
إنّه محمول على ألّا يقتله. ولذلك قلنا : إنّ الإلجاء ليس بجنس من الفعل ؛ لأنّه
لا شيء يشار إليه ألّا وقد يوجد