بالفعل. والعادّ الحقيقىّ هو أوّل معطى للشّيء معنى الوحدة ومعطى للشّيء معنى الكثرة بالتّكرير. فإذن الآن بكلّ من المعنيين يعدّ الزّمان بوجه.
فأمّا الآن السّيّال فإنّه يعدّ الزّمان ؛ لأنّه يجعله ذا عدد ، بما يحصّله من التّقدّم والتّأخّر بحسب الحركة فى متقدّمة المسافة ومتأخّرتها. وذلك التّقدّم والتأخّر عين أجزاء الزّمان. فنسبة هذا الآن إلى الزّمان تشبه نسبة الوحدة إلى العدد.
وأمّا الآن الطرف ، وهو المحفوف بالماضى والمستقبل ، فهو يعدّ الزّمان. والمتقدّم والمتأخّر منه بمعنى أنّه ما لم يتعيّن آن من الآنات الّتي هى من الحدود لم يكن إلاّ الزّمان البسيط المتصل الواحد القابل للانفصال الوهمىّ. فما لم يكن آن لم يتعدّد الزّمان ولم يكن متقدم ولا متأخر.
فإذا تعيّن آن ما (١٣٢) انفصل الزّمان إلى جزءين محدودين به مشتركين فيه ، أحدهما متقدّم بذاته والآخر متأخّر بذاته. فعند حصول هذا الآن فى الذّهن يعرض العدد للزّمان ويظهر التّقدّم والتّأخّر بالفعل وإن لم يكن ذلك بسبب حدوث هذا الآن ، بل عند حدوثه فقط ؛ فإنّ الزّمان بذاته متقدّم ومتأخّر عند الانفصال. وحدوث الانفصال فى الوهم لازم مع حصول هذا الآن ، لا أنّه مستند إليه متأخّر عنه. وإنّما فاعل الانفصال هو الذّهن باعتبار لحاظه بحسب ما يؤدّى إليه تأدية الأسباب وترتّب المسبّبات. وبالجملة ، فكما الآن بمعنيين فكذلك العدد هناك بمعنيين ، وقد التبس الأمر فيه على بعض تلامذة الرّؤساء(١).
وأمّا الجمهور فكأنّهم عن هذه المشكلة من الذّاهلين وهناك عدّ بمعنى آخر ثالث ؛ وهو كون ما ، يقال له عادّ عدد ما ، يقال له معدود.
فالمتقدّمات والمتأخّرات تعدّ الزّمان على أنّها أجزاؤه. وكلّ جزء من أجزاء الزّمان فإنّ من شأنه الانقسام ، كأجزاء الخطّ والسّطح والجسم. وأجزاء الزّمان ، بل المتّصل مطلقا ، متشابهة الحقيقة مختلفة بالقبليّة والبعديّة بالنّسبة إلى الآن المحفوف
__________________
(١). عنى به تلميذ الشّيخ الرّئيس أبى عليّ بن سينا ، بهمنيار ؛ فإنّه قد التبس عليه أمر الآنين والعددين ، وقال فى التحصيل ما هو على البعد من السّبيل. منه سلّمه اللّه تعالى.