كذلك من الذّوات الجائزة هى الممكنة المبدعة ، كالعقول وسائر المبدعات. وإنّما
يقال فيها : إنّها جائزة التّقرّر والوجود ، بمعنى أنّها من بعد نفس اللّيس الصّرف
، لا أنّها بعد استمرار اللّيس أو لا استمراره ، وبمعنى أنّ تعلّق تقرّرها ووجودها
لا بذاتها ، بل بجاعلها الموجد إيّاها بنفس جعل ماهيّاتها ؛ فهى بالإضافة إليه
متقرّرة موجودة ، وباعتبارها فى ذواتها باطلة هالكة ، أى : ليست متقرّرة ولا
موجودة. وليس يصدق هناك من معانى الإمكان غير هذين المعنيين أصلا ، إلاّ الإمكان
العامّ.
<٥٢> تتمّة تفصيليّة
قد علمت أنّ
نسبة الوجوب إلى الإمكان نسبة تمام إلى نقص ، وأنّ ما يجب وجوده لا بذاته هو الّذي
لوضع شيء ما ليس هو ، صار واجب الحصول.
مثلا ، إنّ
الأربعة واجبة الحصول لا بذاتها ولكن عند فرض اثنين واثنين ؛ والاحتراق واجب
الحصول لا بذاته ولكن عند فرض التقاء القوّة الفاعلة بالطبع والقوّة المنفصلة
بالطبع ، أعنى المحرقة والمحترقة ، ولا يكون ذلك إلاّ بإيجاب العلّة الموجبة
بالضّرورة.
وإنّ مكساب
الوجوب ومجلاب الإيجاب فى جملة ما له تعلّق بالمادّة ، سواء كانت الأنواع
الجوهريّة الجسمانيّة وأشخاصها أو الصّور والأعراض أو النّفوس النّاطقة الإنسانيّة
هو الإمكان الاستعدادىّ ، وهو التّهيؤ للكمال ، ليتحقّق بعض المنتظرات من الشّرائط
ويبطل بعض المصادمات من الموانع ويقبل الشدّة والضّعف بحسب القرب من الحصول والبعد
عنه ، لحصول الكثير ممّا ليس منه بدّ أو القليل.
فاستعداد
النّطفة للصّورة الإنسانيّة أضعف من استعداد العلقة لها ، وهو من استعداد المضغة وهكذا
إلى استعداد البدن الكامل ؛ واستعداد الجنين للكتابة أضعف من استعداد الطفل لها. ويحدث
حصوله بحدوث بعض الأسباب والشّرائط وانبتات وجود بعض الأضداد والموانع وينصرم استمرار
حصوله : إمّا لحصول الشّيء بالفعل وإمّا لانقطاع الأسباب وطرء الموانع.