وهذا الإمكان غير الإمكان الذّاتىّ ؛ لاقتضائه رجحان الطّرفين وقبوله الشّدّة والضّعف ، وعدم لزومه لماهيّة الممكن وقيامه بمحلّ الممكن ، لا به ، وكونه من الامور المتحققة فى الأعيان قائمة بمحالّها ، لانّه كيفيّة حاصلة للمادّة مهيّئة إيّاها لإفاضة المبدأ الجواد وجود الحادث فيها ، كالصّورة والعرض ، أو معها ، كالنّفس المجرّدة. بخلاف الإمكان الذاتىّ فى جميع تلك الأحكام.
ثمّ إنّ الاستعداد القائم بالنّطفة ، مثلا ، ينسب إليها ويسمّى استعدادها للصّورة الإنسانيّة وينسب إلى الصّورة الإنسانيّة ويسمّى إمكانها فى النّطفة. فالإمكان الوقوعىّ بما هو إمكان وقوعىّ للممكن قائم بمحلّه ؛ لأنّه المتّصف بالاستعداد والبعد والقرب حقيقة وإنّما يوصف به الممكن لتعلّقه به وانتسابه إليه ، لا لأنّه وصفه حقيقة ، فهو بالوصف بحال المتعلق أشبه. وأمّا الإمكان الذّاتىّ فهو وصف الممكن بحسب حاله. فهذا فرق آخر بينهما.
وربما يقال : إذا كان بمحلّ ، من شأنه أن يحلّ فيه صورة أو عرض ، موانع تصادم حصول ذلك الحالّ فيه أو شرائط يتوقّف ذلك الحصول عليها ، فبحسب بطلان تلك الموانع وحصول تلك الشّرائط تحصل فى ذلك المحلّ كيفيّة مهيّئة إيّاه لوجود ذلك الحالّ فيه ، فعلك الكيفيّة تسمّى استعدادا ، والقبول اللاّزم لذلك الاستعداد ، وهو الّذي يسمّى إمكانا استعداديّا ، والقرب والبعد أولا فتان عارضتان لذلك الاستعداد الّذي هو من مقولة الكيف. وليس للاستعداد بدّ من مادّة ؛ لأنّه تدريجىّ منتقل من ضعف إلى قوّة ومن بعد إلى قرب ، وكلّ تدريجىّ حادث زمانيّ ، وكلّ حادث زمانىّ فله مادّة البتة.
ومن النّاس من يزعم أنّ نفس الكيفيّة المزاجيّة يقال لها : الإمكان الاستعدادىّ باعتبار آخر. فالكيفيّة المزاجيّة فى النّطفة ، مثلا ، إذا اعتبرت فى نفسها كانت كيفيّة مزاجيّة؛ وإذا نسبت إلى الصّورة الإنسانيّة قيل : إنّها إمكان استعدادىّ لها. وكذلك الشّيء غير الكيفيّة المزاجيّة يكون فى نفسه شيئا ما وبالنّسبة إلى شيء بخصوصه إمكانا ، كصحن الدّار ؛ فإنّه صفة الدّار. فإذا أحضره الذّهن وأحضر قدر ما يسع من الرّجال كان إمكان وجود ، وسيعاد إليك بيانه والفحص عنه فى باب القوّة والفعل إن شاء اللّه العزيز العليم.