طبيعة مطلق التقرّر ، لا عن التقرّر المطلق. أليس ما بحسب طباع الإمكان هو ذاك ، لا ذا ، واستمرار الشّيء إنّما يستلزم أن يستمرّ ما مقتضى طباعه ، لا ما يزيد على ذلك. فإذن يمكن أن لا يجوز له بالنظر إلى ذاته أن يتقرّر فى كلّ من تلك الأجزاء بدلا وحده ، فضلا عن ذلك بدلا ومعا. فالغلط من سوء اعتبار الحمل أو المصادرة على المطلوب الأوّل وأخذ الشّيء فى بيان نفسه.
ثمّ من الموجودات الممكنة ما هو آنيّ الوجود وإمكانه مستمرّ فى الآزال والآباد. وكذلك الإضافات المتخصّصة بأزمنة بأعيانها ممكنة فى الآزال والآباد ويمتنع عليها الوجود فى غير تلك الأزمنة. فهى وإن كانت من الامور الذّهنيّة ولكن سبيل الوجودين فى هذا الغرض واحد.
وأيضا كلّ حادث زمانىّ بما هو حادث زمانىّ فإنّه من الجائزات لا من الممتنعات قطعا وإنّه يمتنع عليه أزليّة التقرّر ، فإن اسند ذلك إلى قيد الحدوث لا إلى سنخ الذّات ، قيل : لا ضير ؛ إذ الذّات بحسب قيد الحدوث لا يصحّ أن يعدّ من جملة الممتنعات.
<٤٨> تفصلة
ألم تسمعنا نتلو عليك من قبل : إنّ من الوجود وجود الشّيء فى نفسه ومنه وجوده لغيره. فطائفة من الجائزات طبائع ناعتيّة فى تقرّرها ووجودها قائمة بمحالّ لها ، وطائفة منها تقوم بأنفسها فى التقرّر والوجود ، لا يكون تقرّرها ووجودها فى شيء.
فإذن ، كأنّك لم ترتّب أن أسمعناك أنّ القسمة متأتّية فى الإمكان أيضا. فالإمكان إمّا إمكان وجود الشّيء لنفسه وإمّا إمكان وجود الشّيء فى غيره ، وهما متقابلان متصادمان. فكلّ ممكن الوجود لنفسه فهو ممتنع الوجود فى غيره ، وكلّ ممكن الوجود فى غيره فهو ممتنع الوجود لنفسه.
وأيضا حيث وضح لديك الفرق بين وجود الشّيء فى نفسه وبين وجود الشّيء لغيره ، فقد تكشّف لك أنّ الإمكان : إمّا إمكان وجود الشّيء فى نفسه أو إمكان وجود الشّيء لغيره ؛ والأخير أخصّ تحقّقا من الأوّل.