تستلزم إمكان الأزليّة ، بل إنّه يمكن أن يمتنع أزليّة التّقرّر للممكن بالنظر إلى سنخ ماهيّته وإن كان جواز طبيعتى التقرّر والبطلان بالنّظر إلى سنخ ماهيّته أزليّا له بذاته. ففرق ما بين أزليّة الجواز وجواز الأزليّة بحسب نفس مفهومهما. وكذلك أيضا بحسب نسبتهما إلى ذات الممكن بيّن غير خفىّ ؛ فأزليّة الجواز هى كون الممكن فى الآزال والآباد موصوفا فى لحاظ العقل لجواز التقرّر والبطلان بالنظر إلى ذاته بذاته ، وجواز الأزليّة هو كون الممكن فى نفسه بحيث يجوز له بجوهره أن يتقرّر ذاته أزلا وأبدا تقرّرا الا يسبقه البطلان بحسب نفس الأمر أصلا ، لا سبقا دهريّا ولا سبقا زمانيّا. بل إنّما يسبقه فى لحاظ العقل سبقا بالذّات فحسب.
ولعلّ ذات الممكن بما هو على طباع الإمكان يتأتى أن يجوز له ذلك وإن كان هو من الجائزات الممكنة فى أنفسها تقرّرا او بطلانا. أليس تسرمد التّقرّر وراء أصل التّقرر وتسرمد البطلان وراء نفس البطلان ، ما أسهل أن يتأتى لك أن تتيقّنه. فإذن أنت فى أمرك على بصيرة.
<٤٧> وهم افتضاحيّ
من النّاس من لم يفرّق بين كون الآزال ظرفا للإمكان على معنى أنّ الشّيء متّصف فى لحاظ العقل بالإمكان اتّصافا مستمرّا غير مسبوق بعدم الاتّصاف وبين كونه ظرفا للتقرّر على معنى أنّ الشّيء متقرّر أزلا وأبدا تقرّرا غير مسبوق بالبطلان.
فظنّ أنّه استدلّ على لزوم جواز الأزليّة لأزليّة الجواز ؛ بأنّ جواز الشّيء إذا كان مستمرّا فى الأزل لم يكن هو فى نفسه متأبّيا عن قبول التقرّر فى شيء من أجزاء الأزل ، فيكون عدم تأبّيه مستمرّا فى جميع تلك الأجزاء. فإذا نظر إلى ذاته من حيث هو لم يأب التّقرّر فى شيء منها بل جاز تقرّره فى كلّ منها ، لا بدلا فقط ، بل ومعا أيضا. وجواز تقرّره فى كلّ منها معا هو جواز تقرّره مستمرّا فى جميع أجزاء الأزل بالنظر إلى ذاته. فإذن ، قد اتضح الأمر ، وأنت تعلم أنّه بالافتضاح ألصق منه بالاتّضاح.
فالمتّضح من ذلك هو أن لا يكون الشّيء أبيّا فى شيء من أجزاء الأزل عن