والوجود فإنّما يمتنع انسلاخ الماهيّة المتقرّرة عنها وسلخها عن الماهيّة المتقرّرة ، لكونها من توابع جعل الجاعل نفس الماهيّة ، والوجوب متقدّم على الوجود ؛ وإنّ امتناع سلخ الإمكان عن الماهيّة بنفسها وانسلاخ الماهيّة بنفسها عنه ليس من حيث اقتضاء الماهيّة لذلك ، بل لأنّ الماهيّة بنفسها لا متقرّرة ولا لا متقرّرة. والإمكان هو اعتبار ذلك بالسّلب البسيط ولكن فى الماهيّة المتقرّرة. وأمّا الماهيّة المتقرّرة بحسب اعتبار الإمكان مقتضية لكونها فى نفسها بحيث لو لاحظها العقل حكم أنّها بنفسها لا متقرّرة ولا لا متقرّرة. فالكون بهذه الحيثيّة (١١٩) من لوازم الماهيّة الممكنة الملحوظة من حيث طباع الإمكان بالمعنى المصطلح. لكن هذا المعنى ليس حقيقة الإمكان ، بل فرعه. وحقيقة الإمكان هو السّلب البسيط ، أعنى اللاّتقرّر واللاّتقرّر أو سلب التقرّر وسلب اللاّتقرّر باعتبار الحملين : المواطاتىّ والاشتقاقىّ. ولذلك ينقل الإمكان اولى المراتب ؛ فإنّ الكون بتلك الحيثيّة وصف ثبوتىّ للماهيّة المتقرّرة متأخّر عنها وعن اعتبار الإمكان ومعلول لهما. فإذا كان ذلك هو الإمكان ، فكيف يصحّ أن يحكم العقل بتقدّمه على الماهيّة المتقرّرة بعدّة مراتب.
<٤١> تنبيه تذكيريّ
الوجوب والإمكان والامتناع من الاعتبارات العقليّة والانفصال المعتبر بعينها إنّما هو بحسب الذّهن. فكلّ شيء من الأشياء فهو فى لحاظ العقل إمّا متصف بالوجوب أو الإمكان أو الامتناع. وإمكان الشّيء هو ممكنيّته ، لا ما به ممكنيّته ، على قياس مما قد سبق فى الوجود.
فإن وقع فى نفسك : أنّ من المعلوم بالضّرورة أنّه لو لم يكن فى التّقرّر عقل عاقل وذهن ذاهن كانت المفهومات فى حدود ذواتها متّصفة بهذه الصّفات.
قيل لك : فهذا هو حصحصة الحقّ ؛ فإنّ هذه الأمور عوارض الأشياء فى أنفسها ، لا باعتبار التقرّر وبالقياس إلى الوجود. وهى متصفة بها ، سواء وجدت فى الأعيان أو فى الأذهان. فالموصوف بها الماهية من حيث هى هى ، لا الماهيّة من حيث هى