<٣٦> تنبيه دفاعيّ
إنّ ما شدّدنا أزره هدّ ما استشكل : أنّ الوجوب ، سواء كان لازما أو عارضا ، يتوقف الاتّصاف به على وجود موصوفه ، إمّا فى الخارج أو فى الذّهن ؛ لكونه وصفا عقليّا ثبوتيّا. فلو كان المعلول الأوّل متّصفا بالوجوب يكون هذا الاتصاف بسبب أحد الوجودين. ولا يتصوّر أن يكون بسبب الوجود الخارجىّ ، لتقدّم الوجوب عليه ذاتا ، ولا أيضا أن يكون بسبب الوجود الذّهنىّ ؛ لأنّ الوجود الذّهنىّ للمعلول الأوّل متأخّر عن وجوده الخارجىّ ، وهو عن وجوبه. فقد علمت أنّه ليس من شرط هذا السّبق وهذه الاتّصافات أن يتكنّف لحاظ العقل شيئا من ذلك بالفعل. بل إنّما مناط ذلك كون الشّيء فى نفسه بحيث يؤثّر عن لحاظ العقل ما يصلح هو بحيث هو بحسب حال نفسه فى نفس الأمر لأن ينتزع منه ذلك بالفعل ليحكم به عليه.
ثمّ عروض وجوب صدوره من الجاعل للجاعل أوّلا ثمّ له من بعد الشّيء والتّقرّر هناك أظهر بيانا وأشدّ ظهورا ؛ لكون الاختصاص هناك أتمّ والارتباط أقوى. ولذلك ما إنّ الجاعل كما هو بذاته مبدأ تقرّر المعلول الأوّل وفعليّة أيسه فكذلك هو بذاته مبدأ تعيّن ماهيّته وسبب وقف حقيقته على شخصه بعينه.
<٣٧>شكّان وتنبيه
أظنّك قد سمعت الّذين يتشككون فيقولون : إنّ كون الوجوب ممّا يتوقّف عليه التقرّر والوجود ، وكذلك الإمكان يهدّ بناء أنّ العلّة التّامّة قد تكون بسيطة ؛ فإنّ القيّوم الواجب بالذّات ـ جلّ ذكره ـ بذاته جاعل بالفعل للمعلول الأوّل وليس هو يتوقّف على غير ذاته تعالى ، أصلا. وأيضا : إنّ كون الوجوب مضمّنا فى أثر الجاعل يثلم ثلمة فى وجوب كون أثر العلّة الواحدة فى عليّة واحدة واحدا.
فهل أنت ممّا فصّلناه متنبّه بشارة فى دفاع القولين ، فقد نصصنا على أنّ الواجب مرتبة من مراتب الذّات المعلومة ، كما أنّ الممكن مرتبة من مراتب تلك الذّات.