وجه. فوجوب كلّ ماهيّة من حيث هو تأكّد الحقيقة والوجود وصف يعرض الماهيّة فى لحاظ العقل ويتأخّر عنها تأخّرا بالماهيّة ، ومن حيث يستند هو وماهيّته إلى الجاعل متقدّم على الماهيّة فى الترتّب عليه والصّدور عنه.
لست أقول بذلك : إنّ هناك أثرين صادرين ، بل أعنى أنّ هناك صادرا واحدا يبدعه الجاعل ، فيجد العقل أنّه ماهيّة ما ، كالإنسان ، مثلا ، وأنّه ممكن ما. وذلك من حيث ليس لجوهر ذاته بذاته ضرورة التّذوّت واللاّتذوّت ، فضلا عن ضرورة الوجود واللاّوجود ، بل هو ذات ما جائزة الفعليّة والبطلان وأنّه واجب ما من الواجبات بحسب نفس الأمر. وذلك من حيث ما يجب فعليّته ووجوده فى نفس الأمر ، ويحكم أنّه يستند إلى الجاعل الموجب من حيث نفس ذاته بما هو هو ومن حيث يجب فعليّته ، لا بما يوصف بطباع الإمكان على ما قد ارتكز فى بصيرتك ، وأنّه بما هو واجب (١١٦) فى نفس الأمر أسبق فى الاستناد إلى الجاعل منه بحسب نفس جوهره بما هو هو ، وبما هو واجب وجوده فى نفس الأمر أسبق فى الاستناد إليه منه بحسب ما هو موجود.
فالماهيّة بعد لحاظ الاعتبارات وتفصيلها وتمييز بعضها عن بعض محكوم عليها عند العقل بأنّها ، أوّلا ، واجبة التّجوهر من تلقاء الجاعل الموجب ، ثمّ صارت بنفسها منه ، فواجبة الوجود من تلقائه ، فموجودة من جنبته ؛ كما الهيولى متصوّرة بهذه الصّورة بما هى صورة ما من تلقاء المبدأ الجاعل ، فمتقررة الذّات موجودة ، فمتصوّرة هذه الصّورة بما هى صورة بعينها من إفاضته.
والفرق : أنّ الهيولى والصّورة متمايزتا الذّاتين بحسب نفس الأمر ، والوجوب ليس هو شيئا مباين الذّات للماهيّة ، بل هو أحد اعتبارات الماهيّة المجعولة فى لحاظ العقل وأحد عوارضها. والإمكان الّذي يشبه للمادّة ومتمّماتها من وجه وإن كان متقدّما فى قضاء العقل على استناد الماهيّة ووجوبها إلى الجاعل ، لكنّه ليس يستند إلى الجاعل ، بل هو ليسيّة ضرورة الفعليّة والبطلان بحسب نفس الماهيّة.
فإذن ، الواجب بحسب نفس الأمر مرتبة من مراتب المعلول المجعول متقدّمة فى