ليس بحسبه على النّسبة الجوازيّة إلى الفعل فى نفس الأمر ، فهو مستغن بحسبه. فإذا كانت هذه الضّرورة هى الضّرورة بحسب الموضوع ، بل الضّرورة المطلقة الذاتيّة السّرمديّة باعتبار آخر ، فلا يبقى كثير اعتبار بجدواها.
فإذن ، الوجوب اللاّحق بشرط المحمول إنّما يعتبر للقيّوم الواجب بالذّات ـ جلّ ذكره ـ بأن يلحظ نفس ذاته بشرط نفسه. وهو اعتبار جدواه يسير غير كثير ، وإن اعتبر فلا يكون الوجوب قيدا لا بحسب الذّات.
فقد تجلّى لك أن ليس فى المبدأ الأوّل البارئ ، تعالى مجده ، إلاّ التّقرّر المحض والوجود البحت والوجوب المطلق بالذّات. والخير كلّه من تلقاء صنعه ، ولا شيء فيه من الغير أصلا ، وقد كان تحصيل هذه الحقيقة لدى الجمهور من أبناء الصّناعة من عوصاء الأمور. فإذن ، قد استقرّ عرش الحقّ ؛ والحمد للّه ربّ العالمين.
<٣٢> وهم وتنبيه
ربما تسمع قول شركائنا السّالفين : «وجوب العقليّات تقارنها بجواز العدم» ، فأورد عليه قولنا : الواجب بالذّات متقرّر وموجود ، قضيّة فعليّة ، ووجوبها اللاّحق ليس يقارنه جواز العدم.
وكأنّك بما دريت متبصّر بالأمر. فالوجوب اللاّحق من حيث هو وجوب لاحق ليس فى طباعه استيجاب امتناع العدم ، لكونه بحسب التّقيّد ، فإذا ارتفع ارتفع. ولكونه بعد تحقّق القيد ، فإذا كان جائزا بلا تحقّق جاز لا تحقّقه ، وإن كان قد اتفق أن يقارن امتناع العدم إذا كانت الفعليّة فى عنصر الضّرورة المطلقة الذّاتيّة ، لا لاستحقاق طباعه بما هو وجوب لاحق ، بل لخصوصيّة عنصر الضّرورة المطلقة الذّاتيّة السّرمديّة. وكون الوجوب اللاّحق هناك راجعا إلى نفس الوجوب السّابق الّذي هو الوجوب المطلق الذّاتىّ السّرمديّ (١١٥) لخصوص المادّة ليس يفسخ ذلك الضّابط اختلاف الاعتبارين وتغاير الحيثيّتين.