وسبيل حقّ الفحص على هذا أن يقال : التقرّر حين التقرّر والوجود حين الوجود عين أصل التقرّر والوجود. فإذن ، تقرّر الذّات الواحدة واحد لا يتصور أن يتعدّد ووجود الشّيء الواحد يستحيل أن يتكثّر ، فلا يمكن أن يتكرّر الضّرورة لشيء واحد واللاّضرورة قطعا. والضّرورة بحسب التقرّر والوجود هى المسمّاة بالوجوب السّابق.
ثمّ هناك مفهوم آخر زائد على نفس التقرّر والوجود ، وهو التقرّر حال التقرّر والوجود حال الوجود ، (١١٤) وهو ضرورىّ الذّات ، لا ينسلب عنها أبدا ، بعد ما أن وقعت فى صقع التقرّر والوجود. وضرورة هذا المفهوم هى المسمّاة بالوجوب اللاّحق ، وليس يتعلق حصوله للذّات إلاّ بفعليّة التقرّر والوجود. فإن لم تكن فعليّة التّقرّر والوجود للذّات متوقّفا على أمر وراء الذّات ، بل كان الذّات بذاته متقرّرا موجودا لم يكن عروض الوجود اللاّحق له متوقّفا على شيء ما غير الذّات أصلا. فإذن ، قد انتظم الحقّ وانصرم الباطل.
<٣١> حقيقة تحصيليّة
ألست إذا حملت الشّيء على نفسه فقلت : الإنسان إنسان ، أو الكاتب كاتب مثلا ، كانت الضّرورة بحسب المحمول هناك لا يباين الضّرورة الذّاتيّة مع الوصف ، أو الضّرورة بشرط الوصف بالذّات ، بل إنّما بحسب الاعتبار فقط من جهة ما يلحظ الموضوع فى حيّز المحموليّة. ففى قولنا : الإنسان إنسان بالفعل بالضّرورة ، ضرورة واجبة. يقال : ضرورة ذاتيّة غير مطلقة ، بل مع ضرورة بشرط المحمول بالاعتبار ؛ وزيد كاتب بالفعل ضرورة واحدة هى ضرورة بشرط الوصف باعتبار وقته بشرط المحمول باعتبار جزء ، وهو أنّ قولك : الإنسان إنسان ما دام متقرّر الذّات بالضّرورة ، هو وزان قولك : الإنسان إنسان بالفعل ما دام إنسانا بالضّرورة. وقولك : الكاتب كاتب بشرط كونه كاتبا بالضّرورة ، على أن يكون الشّرط قيد الموضوع ، سبيله سبيل قولك : الكاتب كاتب بالفعل ما دام كاتبا بالضّرورة على أن يكون ذلك قيد المحمول وشرطه. ولا فرق هناك إلاّ بنحو الاعتبار.