فالواجب بالوجوب السّابق هو الممكن لا بشرط اتّصافه بالمحمول ، بل ذاته بما هى تلك ، والذّات لا بما هى ذات متقررة وموجودة ، وبالوجوب اللاّحق هو بشرط اتّصافه به ، أعنى الذّات من حيث هى متجوهرة وموجودة على قياس المشروط بشرط الوصف حتّى إذا أخذ موضوع الفعليّة من حيث جوهره مطلقا غير مقيّدة بذلك الشّرط ارتفع الوجوب اللاّحق ، والوجوبان من العوارض العقليّة ومعروضاهما منحاز أحدهما عن الآخر فى لحاظ العقل بحسب التماسّ التّحيّثىّ هناك وإن كانا واحد الذّات فى نفس الأمر.
أليس اختلاف الحيثيّات مطيّة اختلاف الأحكام لذات واحدة وإهمال الاعتبارات أفق إخلال العلم وحيّز بطلان الحكمة. وكذلك الواجب بالذّات نفس ذاته ، والواجب بالوجوب اللاّحق زائد بحسب أنّه متقرّر وموجود. وهذا الاعتبار أمر وراء نفس الذّات ، فلا يكون الذّات بحسب هذا الاعتبار واجبا بالذّات ، بل الواجب بالذّات هو ذاته بذاته.
وأمّا ما يظنّ (١) : «أنّ معروض الوجوب بحسب المحمول هو بعينه معروض الإمكان والوجوب السّابق لا بتغاير الذّات ولا باختلاف الاعتبارات. وشرط المحمول حيثيّة تعليليّة. فنسبة الكتابة ، مثلا ، إلى الإنسان هى الضّرورة بشرط الكتابة ، كما نسبة الانخساف إلى القمر مكيّف بالضّرورة فى وقت المقابلة. فالشّرط والقيد ضدّان للضّرورة ، لا للموضوع. ولذلك يسمّيان بالضّرورة الوصفيّة والضّرورة الوقتيّة».
فليس على أسلوب ما ذهابه أو إيابه إلى سبيل التّحصيل. وكيف يجب ذات الممكن وحده فى زمان القيد ، والمحمول بما هو محمول ليس يلزم أن يكون ضروريّا لذات الموضوع وحده فى زمان من الأزمنة. فذات الإنسان وحده لا يكون بذاته يجب له الكتابة أصلا ، لا فى زمان الكتابة ولا فى زمان الخلوّ عنها ، بل يجب أن يقيّد. أمّا ذات الإنسان بكونه فى زمان الكتابة ، فتجب له الكتابة ، تمتاز بأنّها فى زمان الكتابة ، فتجب لذات الإنسان وحده ولكن لا مطلقا ، بل بعد عروض الكتابة له.
__________________
(١). الظانّ هو المحقق الدّوانىّ فى الحاشية.