فيقال لك : أمّا فظنّك مسلف البيان ومسلف القول فيما يستأهل هذا النّمط أنّه ريثما يمتنع البطلان حين التقرّر على الذّات بما هى هى يجب أن يجب للذّات اللاّبطلان حين التقرّر ، وهو أعمّ من التقرّر حين التقرّر ومن البطلان رأسا فى الآزال والآباد. فلا يلزم من وجوب هذا الأعمّ وجوب ذلك ، بل يمكن بالنظر إلى الذّات بما هى هى ارتفاع التقرّر حين التقرر عنها فى ضمن البطلان فى الآباد والآزال رأسا.
فإذن ، وجوب التقرّر حين التقرّر إنّما يلحق الذّات بعد فرض التقرّر. فإذا تقرّرت وجب اتّصافها بالآباد إذا لم يكن للتقرّر وقوع أبدا ، فلم يكن التقرّر حين التقرّر إلاّ مجرّد مفهوم ليس هو عنوانا لشيء ممّا تقرّر فى نفس الأمر أصلا. فإذن ، لحوق هذا الوجوب متوقف على وقوع التقرّر على كلّ ما يتوقف عليه ذلك التقرّر. فإذن ، هو لا محالة وجوب بالغير ويمكن الانسلاب عن ذات الممكن بذاته البتّة.
<٣٠> وفاء شكّين ووقاء فحص
كأنّ متحيّن وقت التّشكيك يقول : أليس قد سبق أنّه لا يتصوّر لذات واحدة بعينها إمكانان أو وجوبان وإمكانا وجود أو وجوبا وجود. وكيف يتصوّر ذات بعينها ولا ضرورة لها ، وضرورة الوجود بالقياس إلى ذات بعينها أو لا ضرورته؟
فإذن ، ما خطبكم تقسمون الوجوب إلى وجوب سابق ووجوب لاحق لتقرّر الذّات الواحدة وللوجود بالقياس إليها. وأ ليس قولكم سالفا : الواجب بالذّات لا يكون واجبا بالغير ، إذ الوجوب بالغير لا يعرض إلاّ الممكن بالذّات ؛ وقولكم فى هذا الموضع : الوجوب اللاّحق وجوب بالغير ، ولا يخلو عنه عقد ما فعلىّ أبدا من الأقوال المتناقضة والأحكام المتصادمة.
فقولنا : «القيّوم الواجب بالذّات ـ جلّ ذكره ـ متقرّر وموجود» ؛ عقد فعليّ. فإذا لزمه الوجوب (١١٣) اللاّحق ، كان يلزم أن يكون الواجب بالذّات واجبا بالغير ، تعالى عنه. فيقال له : صحّ امتناع أن يتكرّر الإمكان أو الوجوب بالقياس إلى شيء واحد ، والوجود بأنّ السّابق واللاّحق ليسا بالقياس إلى شيء واحد بالحقيقة.