فإذا تقوّى ذلك لديك ، فما أسهل أن يظهر لك سخافة ظنّ بعض متأخّرة المقلّدين: إنّ قياس الطّرف الآخر إلى الممكن له اعتبارات.
أحدها : أن يقاس إلى ذات الممكن من حيث هى مع عزل النّظر عن الواقع فيها. وبهذا الاعتبار يكون ممكنا لها فى ذلك الوقت ، بل فى جميع الأوقات.
وثانيها أن يقاس إليها بحسب تقيّدها بالطرف الواقع على أن يكون قيد الآخر. وحينئذ إن اعتبر ثبوت الطرف الآخر لنفس الذّات المقيّدة بذلك الطرف من حيث هى من غير أن يكون للتقيّد دخل فيها ثبت له الطرف الآخر يكون ممكنا لها دائما وممتنعا لها بالغير فى ذلك الوقت. وإن اعتبر ثبوته لها لا من حيث هى تقيّدها بذلك الطرف فقد يكون الطرف الآخر ممكنا ، بل واقعا. وقد يكون ممتنعا بالذّات ، مثلا ، إذا اعتبر الممكن الموجود من حيث إنّه موجود بحيث يكون للتقييد بالوجود دخل فيما ثبت له الطرف الآخر ، فالعدم ممكن بل واجب. ولا يلزم من هذا اجتماع النّقيضين ؛ لأنّ الموصوف بأحدهما الذّات من حيث هى وبالآخر الذات من حيث التقيّد. وإذا اعتبر الممكن المعدوم من حيث هو معدوم كذلك فالوجود ممتنع له بالذّات.
وثالثها : أن يقاس إليها مع تقيّدها بحيث يكون المقارن جزءا لما ثبت له الطرف الآخر. ويتأتى فيه أيضا التّقسيمان المذكوران فى الثّاني. وتوهّم لزوم اجتماع النّقيضين هنا أبعد.
فقد حصل من ذلك أنّ ما وقع هذه الاعتبارات بالقياس إليه فى الاعتبارين الأوّلين ممكن بالذّات وفى الأخيرين ممتنع بالذّات.
<٢٩> شكّ وحلّ
ولعلّك تقول : ألست تحكم أنّ البطلان فى زمان التقرّر بالنّظر إلى الذّات من حيث هى هى. فكيف حكمت أنّ ذلك وجوب بالغير لا بالذّات ، وأنّه لا ينسلخ عن مقارنة جواز العدم بالنظر إلى الذّات قطعا.