الآخر ممتنع لا لذاته ، بل لصدق الآخر. ولولاه لم يستلزم اجتماع النّقيضين. فإذن ، الممكن المطابق للواقع يمكن نقيضه بالذّات ويستحيل بالغير. فالإمكان الذّاتىّ مقابل الامتناع الذّاتىّ ، والإمكان الوقوعىّ بحسب نفس الأمر مقابل الامتناع مطلقا ؛ فإنّ صدق المطلقة الوقتيّة يستحيل لصدق الدّائمة. وما يقال : إنّ دوام الإيجاب ينافى إمكان السّلب ، فينبغى أن يعنى فيه إمكان السّلب بالنّظر إلى الذّات ، لا بحسب الوقوع فى نفس الأمر.
ثمّ إن قيس الطرفان إلى الذّات من حيث الفعليّة كان امتناع الطرف الآخر بحسب تلك الحيثيّة الّتي هى كالجزء ، فلم يلزم أيضا أن يكون الامتناع ذاتيّا ، بل إنّما هو بالنّظر إلى المقيس إليه بحسب ما جرى مجرى جزء ما منه.
فإن أوهم ذلك : أنّ المقيس إليه يرجع إلى أن يكون من الامور الاعتباريّة ، إذ الملحوظ هو الذّات المتقرّرة ما دامت متقرّرة على تكرير التقرّر وتقييد الذّات بهذه الحيثيّة الّتي هى صنعة العقل. فإذا مجموع الذّات مع القيد أو الذّات المعتبرة على سنّة التّقييد لا يكون إلاّ من الاعتباريّات العقليّة فكيف (١١٢) يكون معروض الوجوب.
قيل : نحن لا نروم أنّ مفهوم هذا الملحوظ له الوجوب اللاّحق ، بل إنّما نحن رائمون أنّ ما هو مبدأ هذا اللّحاظ فى نفس الأمر ، وهو الذّات المتقرّرة فى زمان تقرّرها ، أعنى ما لو حاول العقل أن يعبّر عنه كرّر التقرّر وحيّث الذّات ، وليس فى نفس الأمر إلاّ مصداق هذا التّحيّث ، ومصحاح هذا التّعيين هو ما يجب تقرّره فى ذلك الحين وجوبا لاحقا ويمتنع سلخ ذلك التقرّر عنه بحسب نفس الأمر امتناعا ، كذلك.
وبالجملة ، العقل يشهد أنّ الوجوب اللاّحق يعرض الذّات المتقرّرة حين لا يلحقها فى نفس الأمر. وإن شئت ساغ لك أن تجعل المعروض نفس الذّات بما هى الذّات من حيث هى ، والعارض وجوب التقرّر حال التقرّر على أن يقع التّحيّث فى حيّز متعلق العارض دون المعروض بأن يضاف الوجوب أوّلا إلى تقرّر الذّات حال تقرّرها ؛ ثمّ يلحظ عروض هذا المضاف للذّات بما هى هى ، ويلحق عروض الذّات من حيث هى بعد التقرّر لا محالة.