أزليّة ولا مطلقة ؛ بل مع الوصف ، وخمسة مشروطة.
واعتبار هذه الأقسام فى جانبىّ الإيجاب والسّلب واحد غير مختلف إلاّ فى شرط المحمول ؛ فإنّك إذا قلت : زيد ليس بكاتب ما دام كاتبا لم يصحّ ، بل إنّما يصحّ إذا قلت : ما دام ليس بكاتب. وحينئذ صيّرت السّلب جزءا من المحمول ، فعادت القضيّة موجبة لا سالبة. والضّرورة بشرط المحمول لا يخلو عنها قضيّة فعليّة أبدا. فإذا صحّ ج ب ، فإنّه يكون بالضّرورة بحال كونه ب ، وهى ضرورة متأخّرة عن الوجود لا حقة به. وسائر الضّرورات متقدّمة على الوجود موجبة إيّاه. ونعنى بحال التقرّر والوجود ما يعمّ وعاء الدّهر والأحيان الزّمانيّة. وهناك شكوك أخلدت بالأذهان فى هذه الأحكام ، فحريّ بنا أن نحلّها حلاّ ونقلع بنيانها عن المقام قلعا.
<٢٨> تشكّك وفحص
لقد وعيت ما أوعيناه سمعك ، من أنّه إذا وقع أحد طرفى الممكن وقتا مّا : فإن قيس طرفه الآخر إلى ذاته من حيث هو كان ممكنا له ، فى ذلك الوقت البتة ، وإن قيس إلى ذاته من حيث له فعلّيّة ذلك الطرف كان ممتنعا عليه ، لا بحسب الذّات ، بل بحسب تقييده بما ينافيه ، فهو امتناع لا حقّ بالغير ، وبإزائه للطرف الواقع وجوب بالغير لاحق.
فإن وقع إليك تشكّك بعض المشككين فيه : بأنّ ذات الممكن مأخوذا مع أحدهما يمتنع له الآخر امتناعا ذاتيّا نظرا إلى المجموع. وكيف لا ، واجتماع النّقيضين محال لذاته. وليس ذلك ينافى إمكانه للذّات من حيث هى وحده ، فيكون ما بإزائه لا محالة وجوبا ذاتيّا لا بالغير.
فقد أوضح لنا الفحص : أنّ الطرفين هناك مقيسان إلى نفس الذّات بما هى نفس الذّات ، لا إلى الذّات بما هى على فعليّة أحدهما ، فلا امتناع هناك إلاّ بالغير ، واجتماع النّقيضين وإن كان مستحيلا لذاته لكن صدق أحدهما فى زمان صدق