وأيضاً صنّف المسلمون في الطبقات والتراجم ، إذ أوجدت الحضارة الإسلامية فنّاً فريداً من فنون التاريخ وهو كتب الطبقات والتراجم لا نجد له شبيهاً في آداب الأمم ، فقد نتجت هذه الكتب من أصول إسلامية خالصة تمثّلت بالسير والمغازي ونموّ علم الحديث وطول الأسانيد وظهور حركة الوضع في الحديث ، فضلا عن علم الأنساب الذي ساعد مؤرّخي الطبقات والتراجم في الوقوف على العلاقات النسبية التي تربط أبناء الطبقة بعضها ببعض من جهة ، ثمّ التي تربطها بالطبقات التي قبلها أو بعدها لغرض تمييز كلّ منها من جهة ثانية(١).
وقد استخدم المؤرّخون المسلمون منذ مطلع القرن الثالث للهجرة تسمية (الطبقات) في كتبهم ، وقد جاء في أحد معاجم اللغة : «كان فلان من الدنياعلى طبقات شتّى ، أي : حالات»(٢) ، ويأتي مفهوم الطبقة بألفاظ ، منها : الجيل ، الأمّة ، الجماعة. قال النحاة : «الجيل كلّ صنف من الناس»(٣). وقال ابن منظور : «كلّ جيل من الناس هم أمّة على حدة»(٤).
وفي قوله تعالى : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَق)(٥) ، التي تعني حالا بعد
__________________
الأعيان ٣/٤٤٠ ، و ٦/٣٧٨ ، معجم الادباء : ٣/٧٠٣ و ١٦/٦٠ و ٦/٥٩٥ ، هدية العارفين ١/٤١٣ ، الأعلام للزركلي ٣/٢٢٠ ، التاريخ العربي والمؤرّخون ١/١٦٢ ؛ المدائني شيخ المؤرّخين : ٣٥ ـ ٣٦ ، ٤٧ ، ٥١.
(١) التراجم والسير : ٢٨ ، إسهامات مؤرّخي البصرة : ٤٤ ـ ٤٥.
(٢) لسان العرب ١٠/٢١١.
(٣) كتاب العين ٦/١٧٩ ، لسان العرب ١١/١٣٤.
(٤) لسان العرب ١٢/٢٦.
(٥) سورة الإنشقاق ٨٤ : ١٩.