أبطل أيّام عمره فى رجاء ما لم يدرك منه شيئا ؛ فالعاقل من لم يعرّج (١) على هذا ، وجدّ فى الطّاعة ، وعلم أنّه سينقطع عن الدّنيا قريبا ، وصدّق الله فى قوله : (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) :
أى إلّا ما يغرّهم بإيهام النّفع فيما فيه الضّرر.
١٢١ ـ قوله تعالى : (أُولئِكَ) يعنى : الّذين اتّخذوا الشّيطان وليّا : (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) : مرجعهم ومصيرهم إليها (وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً) : مفرّا.
يقال : حاص عن الأمر ؛ إذا عدل عنه.
والمعنى : أنّهم لا بدّ لهم من ورودها والخلود فيها ، فلا معدل لهم عنها.
١٢٢ ـ ١٢٣ ـ قوله عزوجل : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)(٢) ظاهر إلى قوله : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ)
أكثر المفسّرين على أنّ هذا فى المسلمين وأهل الكتاب (٣) ؛ وذلك أنّ المسلمين قالوا : نحن أهدى منكم ، وقال أهل الكتاب : نحن أهدى منكم ؛ فأنزل الله هذه الآية (٤) ؛ يقول : ليس ثواب الله بالأمنيّة (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ).
وقال الحسن : هذا فى الكفّار خاصّة ؛ لأنّهم يجازون بالعقاب على الصّغير والكبير ، والمؤمن يجازى بأحسن عمله ، ويتجاوز عن سيّئاته ، ثم قرأ : (لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا ..)(٥) الآية.
وقال آخرون : هذا عامّ فى كلّ من عمل سوءا ، من مسلم وكافر ، ولكنّ المؤمن (يجزى به) (٦) فى الدّنيا.
__________________
(١) عرّج بالمكان إذا أقام ، والتعريج على الشىء : الإقامة عليه. (اللسان ـ مادة : عرج).
(٢) بقية الآية : (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً).
(٣) انظره مطولا ، ومختصرا فى (أسباب النزول للواحدى ١٧٤) و (تفسير الطبرى ٩ : ٢٢٨ ، ٢٢٩) و (الدر المنثور ٢ : ٦٩٣ ـ ٦٩٥) و (تفسير ابن كثير ٢ : ٣٦٩) و (تفسير القرطبى ٥ : ٣٩٦) و (البحر المحيط ٣ : ٣٥٥).
(٤) قال الواحدى فى (أسباب النزول له : ١٧٤) بعد هذا : «ثم أفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان ، بقوله : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) ، وبقوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) الآيتين : [١٢٤ ، ١٢٥ من سورة النساء]».
(٥) سورة الزمر : ٣٥ ، وتمام الآية : (وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ).
(٦) أ ، ب : «يجازى بها».