قال ابن عبّاس : هم ناس من المسلمين كانوا بمكّة ، لا يستطيعون أن يخرجوا منها فيهاجروا ، فعذرهم الله فهم أولئك. قال : كنت أنا وأمّى ممّن عذر الله (١).
وقوله : (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً).
: أى لا يقدرون على حيلة فى الخروج من مكّة ، ولا على نفقة ، ولا على قوّة (وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) : لا يعرفون طريقا إلى المدينة دار الهجرة.
٩٩ ـ (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ..)(٢) الآية.
قال الزّجّاج : أعلم الله أنّ هؤلاء راجون العفو ، كما يرجو المؤمنون.
و (عَسَى) : كلمة ترجّ ، وما أمر الله أن يرجى من رحمته فبمنزلة الواقع ، كذلك الظّنّ بأرحم الرّاحمين.
١٠٠ ـ قوله جلّ جلاله : (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً).
قال الزّجّاج : المعنى يجد فى الأرض مهاجرا ؛ لأنّ المهاجر لقومه والمراغم بمنزلة واحدة ، وإن اختلف اللّفظان (٣).
وهو مأخوذ من الرّغام ؛ وهو التّراب. يقال : راغمت فلانا : أى هجرته وعاديته ، ولم أبال رغم أنفه ، وإن لصق (٤) أنفه بالتّراب.
وقال أبو عمرو بن العلاء : فى قوله : (مُراغَماً) : الخروج عن العدوّ برغم أنفه.
وقال القتيبىّ : «المراغمة» و «المهاجرة» واحد. يقال : راغمت وهاجرت ، وذلك أنّ الرّجل كان إذا أسلم خرج عن قومه مراغما : أى مغاضبا لهم. فقيل للمذهب : مراغم (٥).
__________________
(١) الأثر أخرجه البخارى عن ابن عباس فى (صحيحه ـ كتاب تفسير القرآن ـ سورة النساء ٣ : ١٢٢) والسيوطى فى (الدر المنثور ٢ : ٦٤٨) وابن كثير فى (تفسيره / ٢ : ٣٤٤).
(٢) بقية الآية : (وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً.).
(٣) نقله عنه ابن منظور فى (اللسان ـ مادة : رغم).
(٤) حاشية ج : «قوله : وإن لصق ؛ لبيان قوله : رغم أنفه». فى (اللسان ـ مادة : رغم) «: أى وإن لصق أنفه بالتراب» وبنحوه فى (تفسير القرطبى ٥ : ٣٤٧).
(٥) انظر (تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ١٣٤) و (مجاز القرآن لأبى عبيدة ١ : ١٣٨) و (اللسان ـ مادة : رغم) و (البحر المحيط ٣ : ٣٣٦).