يريد للفريقين جميعا للمجاهدين والقاعدين.
٩٧ ـ قوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ)
قال الفرّاء : إن شئت جعلت (تَوَفَّاهُمُ) ماضيا ، وإن شئت كان على الاستقبال يريد : تتوفّاهم ، فحذفت إحدى التّاءين.
وقوله : (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ)(١) : أى بالمقام فى دار الشّرك.
نزلت الآية فى قوم (٢) كانوا قد أسلموا ولم يهاجروا ، حتى خرج المشركون إلى بدر ، فخرجوا معهم ، فقتلوا يوم بدر ، فضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم (٣) وقالوا لهم : ما ذكر الله سبحانه وهو قوله : (قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ).
: أى : أكنتم فى المشركين أم فى المسلمين؟ وهذا سؤال توبيخ وتعيير.
فاعتذروا بالضّعف عن مقاومة أهل الشّرك ؛ وهو قوله :
(قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) يعنى : أرض مكّة.
فحاجّتهم الملائكة بالهجرة عن دارهم ؛ وهو قوله :
(قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها).
يعنى المهاجرة إلى المدينة مع المسلمين ؛ وذلك أنّ الله تعالى لم يرض بإسلام أهل مكّة حتّى يهاجروا ؛ ولذلك قال :
(فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً)(٤).
وذلك أنّهم خرجوا مع المشركين يكثرون سوادهم ، فقتلوا معهم.
ثمّ ذكر أهل العذر فى التّخلّف عن الهجرة فقال :
٩٨ ـ (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ).
يريد : الذين أقعدهم عن الهجرة الضّعف.
__________________
(١) حاشية ج ، و (تفسير القرطبى ٥ : ٣٤٦): «وهو منصوب على الحال ؛ أى فى حال ظلمهم أنفسهم».
(٢) بيانه كما قال الواحدى فى (أسباب النزول ١٦٩ ـ ١٧٠): «نزلت الآية فى ناس من أهل مكة تكلموا بالإسلام ولم يهاجروا ، وأظهروا الإيمان وأسروا النفاق ؛ فلما كان يوم بدر خرجوا مع المشركين إلى حرب المسلمين فقتلوا ، فضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم ، وقالوا لهم : ما ذكر الله سبحانه».
(٣) حاشية ج : «أراد به ملك الموت وأعوانه ، أو أراد به ملك الموت وحده ، كما قال الله تعالى : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) [سورة السجدة : ١١] ، والعرب قد تخاطب الواحد بلفظ الجمع».
(٤) قال الواحدى فى كتابه : (الوجيز فى التفسير ١ : ١٦٩): «أخبر الله تعالى أن هؤلاء من أهل النار ، ثم استثنى من صدق فى أنهم مستضعفون فقال : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ ....).