قال الفرّاء : ومثله ممّا قطع مما قبله قوله : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ)(١) ؛ ومن هذا أيضا ما أجازه سيبويه من قولهم : أين تظنّ زيد ذاهب.
وقوله : (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ)
: أى من الشّكّ والنّفاق ، وتكذيب الوعد بالنّصرة.
(يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا)
يعنون : أنّهم أخرجوا كرها ، ولو كان الأمر (بيدهم) (٢) لم يخرجوا.
أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد المزكّى ، أخبرنا أبو عبد الله بن بطّة الزّاهد ، أخبرنا أبو القاسم البغوىّ ، (حدّثنا) (٣) ابن الأموىّ (٤) ، (حدّثنا أبى) (٥) ، عن ابن إسحاق ، حدّثنا يحيى بن عبّاد بن عبد الله بن الزّبير ، عن أبيه ، عن عبد الله (٦) ، عن الزّبير قال :
والله ـ (إنّى لمع) (٧) رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأنّ النّعاس ليغشانا بعد الغمّ والكرب الّذى كنّا فيه ؛ إذ سمعت معتّب بن قشير (وما أسمعها) (٨) إلّا كالحلم ـ يقول : (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا)(٩).
ثمّ ردّ الله تعالى عليهم هذا الكلام بقوله تعالى : (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ) أيّها المنافقون ولم تخرجوا إلى أحد ، (لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ)
يعنى لو تخلّفتم عن (القتال) (١٠) لخرج منكم الذين كتب عليهم القتل ، ولم يكن لينجيهم قعودهم.
__________________
(١) سورة الزمر : ٦٠ ، وانظر (معانى القرآن للفراء ١ : ٢٤٣) و (البحر المحيط ٢ : ٨٨).
(٢) ب : «بأيديهم».
(٣) ب : «أخبرنا».
(٤) «الأموى ـ بضم الهمزة ـ نسبة إلى بنى أمية» (عمدة القوى والضعيف ـ الورقة ٧ / ظ).
(٥) ب : «حدثنى أبى إسحاق» (تحريف).
(٦) ب : «عبد الله بن الزبير».
(٧) ب : «إنى لم أر».
(٨) أ ، ب : «وما سمعتها».
(٩) كما فى (تفسير ابن كثير ٢ : ١٢٦) و (تفسير القرطبى ٤ : ٢٤٢) و (البحر المحيط ٢ : ٨٩).
(١٠) ب : «الجهاد».