والثانى : التّمييز والتفسير للمبهم ؛ وهو هذا (١) ، كأنّه قيل : ما ذا أراد الله بهذا من الأمثال.
والثالث : القطع (٢) ، كأنّه قيل : ما ذا أراد الله بهذا المثل ؛ إلا أنّه لما جاء نكرة نصب على القطع (٣) عن اتباع المعرفة ؛ وهذا قول الفرّاء (٤).
وأجاب الله تعالى الكفّار عن قولهم : (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) ؛ فقال :
(يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) أى : أراد الله بهذا المثل : أن يضلّ به كثيرا من الكافرين ؛ وذلك أنّهم ينكرونه ويكذّبونه ، (وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) من المؤمنين ، لأنّهم يعرفونه ويصدّقون به.
قال الأزهرىّ : «الإضلال» فى كلام العرب : ضدّ الهداية والإرشاد. يقال : أضللت فلانا ؛ إذا وجّهته للضّلال عن الطريق ؛ وإيّاه أراد (٥) لبيد بقوله :
من هداه سبل الخير اهتدى |
|
ناعم البال ومن شاء أضلّ (٦) |
ولا يجوز أن يكون معنى «الإضلال» : الحكم والتسمية (٧) ؛ لأنّ أحدنا إذا حكم بضلال إنسان لا يقال : أضلّه ، وهذا شىء لا يعرفه أهل اللّغة.
قوله : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ)
قال الليث : «الفسق» ، و «الفسوق» : الترك لأمر الله. وقال الفراء : «الفسق» :
__________________
(١) ب : «وهذا هو».
(٢) حاشية ج : «أى : «على تقدير : أعنى مثلا».
(٣) حاشية ج : «أقول : ولا يبعد أن يقال أراد المصنف ب «النصب على القطع» النصب على الاختصاص ، فيكون التقدير : «ما ذا أراد الله بهذا» أعنى ؛ مثلا : وإنما سماه منصوبا على القطع ، لأنه صفة لما قبله ، فقطع عما قبله ، وأخرج عن كونه صفة ، وجعل منصوبا بتقدير أعنى».
(٤) كما فى (تفسير البحر المحيط ١ : ١٢٥) وهو قول ثعلب. انظر (تفسير القرطبى ١ : ٢٤٤).
(٥) حاشية ج : «أى : الإضلال ضد الهداية».
(٦) هذا البيت جاء منسوبا فى (كتاب الأغانى ٩ : ١١٣) و (اللسان ـ مادة : ضلل).
(٧) كما هو مذهب المعتزلة حيث يقولون : الإضلال قبيح ، والقبيح لا يجوز على الله تعالى ، فالمراد من إضلال الله تعالى إياهم : هو حكمه عليهم بالضلالة ، أو تسميته إياهم ضالين. قال المصنف ـ مبطلا لمذهب المعتزلة ـ : إن هذا شىء لا يعرفه أهل اللغة ، أى : معنى الإضلال ليس الحكم بالضلالة ، ولا التسمية به» وانظر بيان ذلك فى (تفسير الفخر الرازى ١ : ٢٤٦ ـ ٢٥٣).