و «البعوض» : صغار البقّ (١) ، الواحدة : (بَعُوضَةً).
وقوله : (فَما فَوْقَها) قال ابن عباس : يعنى الذّباب والعنكبوت ، وهما فوق البعوض (٢) ؛ وقد استشهد على استحسان ضرب المثل بالحقير ـ فى كلام العرب ـ ؛ بقول الفرزدق :
ضربت عليك العنكبوت بنسجها |
|
وقضى عليك به الكتاب المنزل (٣) |
وبقوله أيضا :
وهل شىء يكون أذلّ بيتا |
|
من اليربوع يحتفر التّرابا (٤) |
وقوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ)
مدحهم الله تعالى بعلمهم أنّ المثل وقع فى حقّه ؛ وذمّ الكافرين بإعراضهم عن طريق الاستدلال ، وإنكارهم ما هو صواب وحكمة بقولهم : ([وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ] : ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) يقولون : أىّ شىء أراد الله بهذا من الأمثال.
وهذا استفهام معناه : الإنكار ، كأنّهم قالوا : أىّ فائدة فى ضرب المثل بهذا؟ (٥)
وفى نصب قوله : (مَثَلاً) وجوه : أحدها ؛ الحال ؛ لأنّه جاء بعد تمام الكلام ، كأنّه قيل : ما ذا أراد الله بهذا مبيّنا (٦).
__________________
(١) على قول الجوهرى وغيره. وقال الدميرى : هو وهم ، وذكر البعوض بأوصافها. ويدل على أن البعوض غير البق ما ورد عنه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ...» الحديث (تفسير القرطبى وحاشيته ١ : ٢٤٣).
(٢) كما فى (تفسير البحر المحيط ١ : ١٢٣) ويكون ذكر البعوضة تنبيها على الصغر ، وما فوقها تنبيها على الكبر. وبه قال ـ أيضا ـ قتادة وابن جريج ، وكذا الفراء (معانى القرآن للفراء ١ : ٢٠) وقال أبو عبيدة : «فما دونها فى الصغر (مجاز القرآن لأبى عبيده ١ : ٣٥) و (أدب الكاتب لابن قتيبة ٢٣٣).
(٣) البيت فى (ديوان الفرزدق ٢ : ٧١٥).
(٤) البيت فى (ديوان جرير ١ : ١٢١) حاشية ج : «اليربوع : الفأرة البرية ، ويحتفر من الحفر».
(٥) أ ، ب : «فى ضرب هذا المثل بهذا».
(٦) حاشية ج : «قوله : مبينا ـ بكسر الياء ـ وإنما فسره مبينا ، لان الغرض من المثل البيان ، فالمثل مبين للشىء الذى رأوا بيان حاله».