ومعنى الآية : أنّ الله تعالى احتجّ على العرب بأنّه خالقهم وخالق من قبلهم ، لأنّهم كانوا مقرّين بذلك ؛ لقوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ)(١) فقيل لهم : إذ كنتم (٢) معترفين بأنّ الله خالقكم (٣) فاعبدوه ؛ فإنّ عبادة الخالق أولى من عبادة المخلوقين ، من الأصنام.
وقوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
قال ابن الأنبارىّ : «لعلّ» يكون ترجّيا ، ويكون بمعنى : «كى» (٤).
وقال سيبويه : «لعلّ» كلمة ترجية وتطميع ، أى : كونوا على رجاء وطمع أن تتّقوا بعبادتكم عقوبة الله أن تحلّ بكم ؛ كما قال ـ فى قصّة فرعون ـ : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى)(٥) كأنّه قال : اذهبا أنتما على رجائكما وطمعكما (٦) ، والله تعالى من وراء ذلك وعالم بما يئول إليه أمره (٧).
٢٢ ـ قوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً).
(الْأَرْضَ) التى عليها النّاس ؛ وهى فراش الأنام ، على معنى أنّها فرشت لهم ، أى : بسطت لهم ؛ وهذا كقوله : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً)(٨).
والمعنى : أنّه لم يجعلها حزنة (٩) غليظة لا يمكن الاستقرار عليها.
__________________
(١) سورة الزخرف : ٨٧.
(٢) ب : «إذا كنتم».
(٣) أ ، ب : «بأنه خالقكم».
(٤) قال فى (تفسير البحر المحيط ١ : ٩٥) : وليست «لعل» هنا ـ بمعنى «كى» لأنه قول مرغوب عنه ولكنها للترجى والإطماع ؛ وهو بالنسبة إلى المخاطبين ؛ لأن الترجى لا يقع من الله تعالى : إذ هو عالم الغيب والشهادة ،.» وهذا المعنى يتضمن قول سيبويه وأرباب اللسان ، واختاره أبو المعالى ، كما جاء فى (تفسير القرطبى ١ : ٢٢٧).
(٥) سورة طه : ٤٤.
(٦) كما فى (الفخر الرازى ١ : ٢٢٢) بزيادة «فى إيمانه».
(٧) حاشية ج : «على ما فى المغرب. قول الواحدى ـ «من وراء ذلك» عبارة عن علم الله تعالى به ، وقوله : «بما يئول إليه» عطف على قوله : «من وراء ذلك» لبيانه. والحاصل أن الرجاء بالنسبة لموسى وهارون ـ لا بالنسبة إلى الله تعالى ؛ لأنه عالم بعاقبة أمر فرعون».
(٨) سورة نوح : ١٩.
(٩) «الحزن ـ بفتح الحاء والزاى ـ : ما غلظ من الأرض ؛ وهو خلاف السهل ، (اللسان ـ مادة : حزن).