و (اسْتَوْقَدَ) بمعنى : أوقد. و «أضاء» [فى قوله](١) : (فَلَمَّا أَضاءَتْ :) يكون لازما ومتعدّيا ؛ يقال : أضاء الشّىء بنفسه وأضاءه غيره ؛ وأضاءت النّار ، وأضاءها غيرها. والذى فى هذه الآية متعدّ.
و «ما» فى قوله : (ما حَوْلَهُ) منصوب بوقوع الإضاءة عليه ؛ و (حَوْلَهُ) نصب على الظّرف. يقال : هم حوله وحوليه ، وحواله وحواليه.
قال ابن عباس وقتادة والضحاك ومقاتل والسّدّىّ : يقول مثل هؤلاء المنافقين ، كمثل رجل أوقد نارا (٢) فى ليلة مظلمة فى مفازة ، فاستضاء بها واستدفأ ، ورأى ما حوله ، فاتّقى ما يحذر ويخاف. وأمن ـ فبينا هو كذلك ـ ؛ إذ طفئت ناره ، فبقى مظلما خائفا متحيّرا ، كذلك المنافقون لمّا أظهروا كلمة الإيمان استناروا بنورها واعتزّوا بعزّها وأمنوا ، فناكحوا المسلمين ووارثوهم (٣) ، وأمنوا على أموالهم وأولادهم ، فلمّا ماتوا عادوا إلى الظّلمة والخوف ، وبقوا (٤) فى العذاب ؛ وذلك معنى قوله :
(ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ [وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ).
وكان يجب فى حقّ النّظم أن يكون اللفظ «فلمّا أضاءت ما حوله أطفأ الله ناره» ليشاكل جواب «لمّا» (٥) معنى هذه القصّة ؛ ولكن لمّا كان إطفاء النّار مثلا لإذهاب نورهم أقيم إذهاب النّور مقام الإطفاء ، وجعل جواب «لمّا» اختصارا وإيجازا. ومعنى «إذهاب الله نورهم» : هو أنّ الله تعالى يسلب المنافقين ما أعطوا من النّور مع المؤمنين فى الآخرة ؛ وذلك قوله تعالى ـ فيما أخبر عنهم ـ : (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً)(٦)
__________________
(١) ما بين الحاصرتين إضافة يقتضيها السياق.
(٢) حاشية ج و (الوجيز للواحدى ١ : ٥) «أى حالهم فى نفاقهم وإبطانهم الكفر كحال من أوقد نارا .. إلى آخره».
(٣) ب : «وأورثوهم».
(٤) أ : «فبقوا».
(٥) حاشية ج : «وجواب «لما» قوله تعالى : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ)».
(٦) سورة الحديد : ١٣.