بحسرة ما رجع بمثلها الأوّلون ـ «قال» (١) : فيقولون : ربّنا لو أدخلتنا النّار قبل أن ترينا ما أريتنا من ثوابك ، وما أعددت فيها لأوليائك كان أهون علينا. قال : «فيقول» (٢) : ذلك أردت بكم ، كنتم إذا خلوتم بى بارزتمونى بالعظائم ، وإذا لقيتم النّاس لقيتموهم مخبتين (٣) ، تراءون النّاس بخلاف ما فى قلوبكم ، هبتم النّاس ولم تهابونى ، وأجللتم الناس ولم تجلّونى ، وتركتم للنّاس ولم تتركوا لى ، فاليوم أذيقكم العذاب الأليم (٤) مع ما حرمتكم من الثّواب» (٥).
قوله تعالى : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ)
أى : يمهلهم ويطوّل أعمارهم ومدّتهم. و «الطّغيان» : مصدر كالرّجحان والكفران. ومعناه : مجاوزة القدر وكلّ شىء جاوز القدر فقد طغى ؛ ومنه قوله تعالى : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ)(٦). وقيل لفرعون : (إِنَّهُ طَغى)(٧) أى : أسرف حيث ادّعى الرّبوبيّة.
ومعنى (يَعْمَهُونَ :) يتردّدون متحيّرين (٨). يقال : عمه الرّجل يعمه عمها فهو عامه وعمه : إذا حار (٩) عن الحقّ.
١٦ ـ قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى)(١٠)
حقيقة «الاشتراء» : الاستبدال. والعرب تجعل من آثر شيئا على شىء : مشتريا له ، وبائعا للآخر ؛ وإن لم يكن ثمّ شراء ولا بيع ظاهر.
__________________
(١) الزيادة عن أ ، ب.
(٢) الزيادة عن أ ، ب.
(٣) أى : مخضعين ـ من الإخبات ؛ وهو الخضوع : (اللسان ـ مادة : خبت).
(٤) أ ، ب : «أليم العذاب».
(٥) هذا الحديث سيأتى فى سورة النساء عند معنى الآية ١٤٢ ؛ بلفظ «بخلاف ما تعطوننى من قلوبكم» مكان قوله هنا «بخلاف ما فى قلوبكم».
(٦) سورة الحاقة : ٩.
(٧) سورة طه : ٢٤ ، ٣٩.
(٨) روى هذا المعنى بنحوه ـ عن مجاهد. (تفسير الطبرى ١ : ٢١١).
(٩) «أى : تحير» (اللسان ـ مادة : حير) وفى (مجاز القرآن لأبى عبيدة ١ : ٣٢) «أى : حائر عن الحق» وفى (اللسان ـ مادة : عمه)» إذا حاد عن الحق».
(١٠) حاشية ج : «أى : استبدلوا الكفر بالإيمان».