وقوله : (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ :)
يقال : حسبت الشىء أحسبه ، وأحسبه بالكسر والفتح ؛ وقرئ بالوجهين فى القرآن :
ما كان من مضارع حسب (١) ، والفتح أقيس عند أهل اللّغة (٢) ، لأنّ الماضى إذا كان على فعل كان المضارع على يفعل ، والكسر شاذّ وهو حسن لمجىء السّمع به.
قوله : (الْجاهِلُ) لم يرد به الجهل (٣) الذى هو ضدّ العقل ، وإنما أراد الجهل الذى هو ضدّ الخبرة. يقول : يحسبهم من لم يختبر أمرهم (أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ :) وهو ترك السّؤال. يقال : عفّ عن الشىء ، وتعفّف عنه ؛ إذا تركه ؛ ومنه قول رؤبة.
فعفّ عن أسرارها بعد العسق (٤)
أى : تركها.
وقوله : (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ)
«السّيما ، والسّيماء والسّيمياء» : العلامة التى يعرف بها الشّىء. قال مجاهد : سيماهم : التّخشّع. وقال الرّبيع والسّدّىّ : أثر الجهد (٥) من الحاجة والفقر. وقال الضّحاك : صفرة ألوانهم من الجوع. وقال ابن زيد : رثاثة ثيابهم (٦).
__________________
(١) «قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين .. وقرأ باقى السبعة بكسرها ..» انظر (البحر المحيط ٢ : ٣٢٨) و (إتحاف البشر ١٦٥).
(٢) على قول أبى على ، كما فى (تفسير القرطبى ٣ : ٣٤١) وبنحوه فى (اللسان ـ مادة : حسب) و (الفخر الرازى ٢ : ٣٦٧).
(٣) ج : «لم يرد الجهل» والمثبت عن أ ، ب و (تفسير الفخر الرازى ٢ : ٣٦٧).
(٤) عجز هذا البيت ، كما فى (ديوان رؤية ١٠٤) و (تفسير الطبرى ٢ : ٣٠٠) و (اللسان ، والتاج ـ مادة : سرر ، عسق) :
ولم يضعها بين فرك وعشق
«أسرارها جمع : سر ، وهو النكاح. وعسق بالشىء يعسق عسقا ؛ إذا لزق به ولزمه ، كما فى (اللسان ، والصحاح ـ مادة : سرر ، عسق).
(٥) الجهد ـ بفتح الجيم ـ : المشقة ، وبالضم : الطاقة ، انظر (اللسان ـ مادة : جهد).
(٦) انظر هذه الأقوال فى (تفسير القرطبى ٣ : ٣٤١ ـ ٣٤٢) و (الفخر الرازى ٢ : ٣٦٧) و (البحر المحيط ٢ : ٣٢٩) و (الكشاف ١ : ٢٨٦).