و «اللام» فى قوله : (لِلْفُقَراءِ) متعلّق بمحذوف ، تأويله : هذه الصدقات أو النفقة للفقراء. وقد تقدّم ما يدلّ عليه ، لأنّه قد سبق ذكر الإنفاق والصّدقات.
قال ابن الأنبارىّ : وهذا كما تقول : عاقل لبيب ؛ إذا تقدّم وصف رجل ، والمعنى : الموصوف عاقل لبيب.
وقوله : (الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) تفسير «الإحصار» قد تقدّم عند قوله : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ)(١).
قال قتادة : حبسوا أنفسهم فى سبيل الله (٢) ؛ أى : فى طاعته للغزو ، فلا يتفرّغون إلى طلب المعاش.
وقال سعيد بن المسيّب : هؤلاء قوم «أصابتهم» (٣) جراحات مع رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، وصاروا زمنى ، فأحصرهم المرض والزّمانة عن الضّرب فى الأرض (٤).
وقال ابن عباس فى رواية عطاء : هؤلاء قوم من المهاجرين حبسهم الفقر عن الجهاد فى / سبيل الله ، فعذرهم الله تعالى ؛ فقال : (لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ) يريد : الجهاد (٥). يقال : ضربت فى الأرض ضربا ؛ إذا سرت فيها ؛ ومنه قوله تعالى : (إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ)(٦).
وهؤلاء إنّما لا يستطيعون الضّرب فى الأرض لأنّ الفقر منعهم عن جهاد العدوّ (٧) ، على قول ابن عباس ؛ وعلى قول سعيد بن المسيّب : الزّمانة (٨) ؛ وعلى قول قتادة ، لأنّهم قد ألزموا أنفسهم أمر الجهاد ، فمنعهم ذلك من التّصرّف للمعاش (٩).
__________________
(١) سورة البقرة : ١٩٦. انظر فيما سبق معنى «الحصر والإحصار» عند تفسير هذه الآية (صفحة ٢٨٩).
(٢) كما فى (تفسير الكشاف ١ : ٢٨٦) و (تفسير القرطبى ٣ : ٢٤٠) و (الفخر الرازى ٢ : ٣٦٦) و (البحر المحيط ٢ : ٣٢٨).
(٣) ج : «أصابهم» والإثبات عن أ ، ب.
(٤) أى : السير فى الأرض. (اللسان ـ مادة : ضرب).
(٥) كما نقله عنه (الفخر الرازى ٢ : ٣٣٦) وجاء بنحوه فى (تنوير المقباس ١ : ١٤٢).
(٦) سورة النساء : ١٠١ ؛ وسورة المائدة : ١٠٦.
(٧) ب : «عن الجهاد للعدو».
(٨) حاشية ج : «يعنى الزمانة منعتهم عن جهاد العدو».
(٩) أ ، ب : «فى المعاش».