وقوله : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً)
«الإلحاف» : هو الإلحاح فى المسألة. قال الزّجاج : معنى «ألحف» : شمل بالمسألة (١).
و «اللّحاف» «سمّى لحافا» ، لأنّه يشمل الإنسان ، فالملحف الذى يشمل سؤاله كلّ أحد ، ويشمل وجوه الطّلب ، هذا هو الأصل ، ثم يسمّى من سأل (٢) مع الاستغناء ملحفا.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، أخبرنا إسماعيل بن نجيد ، أخبرنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله ، حدّثنا أبو عاصم النّبيل ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء ابن يسار ، [عن رجل من بنى (٣) أسد] قال :
قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «من سأل وله أوقيّة فقد سأل إلحافا» (٤).
قال ابن عباس ـ فى قوله : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) يقول : إذا كان عنده غذاء لم يسأل عشاء ، وإذا كان عنده عشاء لم يسأل غداء.
وأكثر أهل المعانى ؛ الفراء والزّجاج وابن الأنبارىّ قالوا : هذا نفى للسّؤال أصلا فهم لا يسألون النّاس إلحافا ، ولا غير إلحاف ، لما وصفوا به من التعفّف. قالوا : والمعنى : ليس منهم سؤال فيكون إلحافا ؛ كما قال الأعشى :
لا يغمز السّاق من أين ولا وصب |
|
ولا يعضّ على شر سوفه الصّفر (٥) |
معناه : ليس بساقه أين ولا وصب فيغمزها ، ليس أنّ هناك أينا ولا يغمز.
__________________
(١) كما فى (اللسان ـ مادة : لحف) وبنحوه فى (الكشاف ١ : ٢٨٦).
(٢) ب : «ثم سمى كل من يسأل».
(٣) ما بين الحاصرتين إضافة عن (مسند الإمام أحمد ٤ : ٣٦) و (تفسير ابن كثير ١ : ٤٨١).
(٤) هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد ومالك ؛ انظر (مسند الإمام أحمد ٤ : ٣٦) و (الموطأ ، باب ما جاء فى التعفف عن المسألة ٦١٧ ، حديث ١١) وقال مالك : «الأوقية : أربعون درهما.
(٥) هذا البيت جاء فى (اللسان ـ مادة : صفر) معزوا إلى أعشى باهلة يرثى فيه أخاه : وهو فى (شرح أدب الكاتب وحاشيته ١٤٦). حاشية ج : «أين : إعياء. وصب : تعب. شرسوفه : عظم الصدر. الصفر ـ فيما تزعم العرب ـ : حية فى البطن تعض الإنسان إذا جاع ، والذى يجده الإنسان عند الجوع من عضه. وهذا مثل قوله : ولا ترى الضب ينجحر ، أى لا ضب فلا انجحار».