قال أبو إسحاق الزجّاج : وهذا القول بيّن ؛ لأنّ الذى نعرفه من الكرسىّ فى اللّغة : هو الشىء الذى يعتمد عليه ويجلس عليه ، وهذا يدلّ على أن الكرسىّ عظيم عليه السّماوات والأرضون.
وقال بعضهم : (كُرْسِيُّهُ) : سلطانه وملكه. ويكنى عن الملك بالكرسىّ.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : وسع علمه السموات والأرض (١). وقال أبو إسحاق الزجاج : الله أعلم بحقيقة الكرسىّ إلّا أنّ جملته أمر عظيم من أمره.
وقوله : (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) أى : لا يثقله ولا يجهده. يقال : آده يئوده أودا (٢) ؛ إذا أثقله.
وقوله : (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)
يقال : علا يعلو علوّا فهو عال وعلىّ ، مثل : عالم وعليم وسامع وسميع ، فالله تعالى علىّ بالاقتدار ونفوذ السّلطان ، وعلىّ عن الأشباه والأمثال.
يقال : علا فلان عن هذا ؛ إذا كان أرفع محلّا عن الوصف به. فمعنى «العلوّ فى وصف الله تعالى» : اقتداره وقهره واستحقاقه صفات المدح.
و (الْعَظِيمُ) معناه : أنّه عظيم الشّأن لا يعجزه شىء ، ولا نهاية لمقدوره ومعلومه.
٢٥٦ ـ قوله : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ)
قال ابن عباس ومجاهد / وقتادة وغيرهم : معنى الآية : لا إكراه فى الدّين بعد إسلام العرب. وذلك أنّ العرب كانت أمّة أمّية لم يكن لهم دين ولا كتاب ، فلم يقبل منهم إلّا الإسلام أو السّيف وأكرهوا على الإسلام ، ولم تقبل منهم الجزية ، فلما أسلموا ولم يبق منهم أحد إلّا دخل فى الإسلام طوعا ، أو كرها ؛ فأنزل الله هذه الآية ؛ فلا يكره على الإسلام أهل الكتاب ، فإذا أقرّوا بالجزية تركوا.
__________________
(١) كما فى (الوجيز للواحدى ١ : ٧٣) و (تفسير ابن كثير ١ : ٤٥٧) وفى (تفسير البحر المحيط ٢ : ٢ : ٢٨٠) و (الفخر الرازى ٢ : ٣٢٨) «أن الكرسى هو العلم لأن العلم موضع العالم وهو الكرسى : فسميت صفة الشىء باسم مكان ذلك الشىء على سبيل المجاز ، لأن العلم هو الأمر المعتمد عليه ، والكرسى هو الشىء المعتمد عليه» وانظر (الكشاف ١ : ٢٧٨ ـ ٢٧٩).
(٢) انظر (اللسان ـ مادة : أود) و (مجاز القرآن لأبى عبيدة ١ : ٧٨) و (المفردات للأصفهانى ٣٠).