قوله : (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) «منفعة الخمر» : ما كانوا يصيبونه من المال فى بيعها ، والتّجارة فيها ، واللّذة عند شربها ، والتّقوّى بها ، و «منفعة الميسر» : ما يصاب من القمار ويرتفق به الفقراء (١) ؛ وليست هذه الآية المحرّمة للخمر ؛ إنما المحرّمة التى فى المائدة (٢).
قال قتادة : فى هذه الآية ذمّها ، ولم يحرّمها ؛ وهى يومئذ حلال. وقال ابن عباس : كلّ شىء فيه قمار فهو من الميسر ، حتى لعب الصّبيان بالجوز والكعاب (٣).
قوله : (وَإِثْمُهُما) أى : الإثم الحاصل بسببهما (أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما ؛) لأنّ نفعهما فى الدّنيا ، وما يحصل من الإثم بسببهما يضرّ بالآخرة.
وقوله : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ)
نزلت فى سؤال عمرو بن الجموح لمّا نزل قوله : (فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)(٤) فى سؤاله أعاد السّؤال ، وسأل عن مقدار ما ينفق ؛ فنزل قوله : (قُلِ الْعَفْوَ.)
قال ابن عباس : ما فضل من المال عن العيال ؛ وهو قول السّدّى ، وقتادة وعطاء (٥).
وأصل «العفو» فى اللغة : الزّيادة ، قال الله تعالى : (حَتَّى عَفَوْا)(٦) أى : زادوا على ما كانوا عليه من العدد.
وقال أهل التّفسير : أمروا أن ينفقوا الفضل ؛ وكان أهل المكاسب يأخذ الرجل من كسبه ما يكفيه فى عامه ، وينفق باقيه إلى أن فرضت الزكاة ، فنسخت آية الزّكاة المفروضة هذه الآية ، وكلّ صدقة أمروا بها قبل نزول الزكاة (٧).
__________________
(١) حاشية ج : «أى : يطلب من الفقراء النصرة».
(٢) انظر تفسيرها فيما يأتى فى الجزء الثانى من هذا الكتاب عند الآية رقم ٩١ من سورة المائدة.
(٣) كما فى (تفسير القرطبى ٣ : ٥٢) و (اللسان ـ مادة : يسر) و «الكعاب : فصوص النرد ؛ وفى الحديث : «أنه كان يكره الضرب بالكعاب» واحدها : كعب وكعبة ، واللعب بها حرام ، وكرهها عامة الصحابة» : (اللسان ـ مادة : كعب).
(٤) سورة البقرة : ٢١٥.
(٥) انظر (تفسير ابن كثير ١ : ٣٧٣) و (مختصر من تفسير الطبرى ١ : ٦٤) و (البحر المحيط ٢ : ١٥٨).
(٦) سورة الأعراف : ٩٥.
(٧) كما رواه على بن أبى طلحة والعوفى عن ابن عباس ، وقاله عطاء الخراسانى والسدى. وقيل : مبينة بآية الزكاة ، قاله مجاهد وغيره ، وهو أوجه. (تفسير ابن كثير ١ : ٣٧٤) و (البحر المحيط ٢ : ٢٣٣).