ثم ذكر ما أصابهم فقال : (مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ) قال عطاء : يريد الفقر الشّديد (وَالضَّرَّاءُ :) المرض والجوع (وَزُلْزِلُوا :) حرّكوا بأنواع البلايا والرّزايا (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) إلى أن يقول الرّسول (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ؟) أى : بلغ منهم الجهد إلى أن استبطئوا النّصر ، فقال الله تعالى : (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) أى : أنا ناصر أوليائى لا محالة ، ونصرى قريب منهم.
وقرئ : (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) رفعا (١) ، كما تقول : سرت حتّى أدخلها ، بمعنى : سرت فأدخلها ، بمنزلة سرت فدخلتها ؛ و «حتى» هاهنا : مما لا يعمل فى الفعل شيئا ، لأنّها تلى الجمل ، تقول : سرت حتّى إنّى كالّ (٢) ؛ وكقول الفرزدق :
* فيا عجبا حتّى كليب تسبّنى (٣) *
فعملها فى الجمل يكون فى معناها لا فى لفظها (٤) ، وعلى هذا وجه الآية
٢١٥ ـ قوله : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ ...) «الآية» (٥)
قال الكلبىّ عن ابن عباس : نزلت هذه الآية فى عمرو بن الجموح الأنصارىّ ، وكان شيخا كبيرا ، وعنده مال عظيم ، فقال : ما ذا ننفق من أموالنا ، وأين نضعها؟ فنزلت هذه الآية (٦).
__________________
(١) حاشية ج : «قال فى المعالم : قرأ نافع «حتى يقول» بالرفع. معناه : حتى قال ، وإذا كان الفعل الذى يلى ، «حتى» فى معنى الماضى ولفظه لفظ المستقبل فله وجهان : النصب على ظاهر الكلام ، لأن حتى تنصب الفعل المستقبل ، والرفع لأن معناه الماضى ، وحتى لا تعمل فى الماضى» انظر توجيه القراءتين فى (إتحاف البشر ١٥٦ ـ ١٥٧) و (معانى القرآن للفراء ١ : ١٣٢ ـ ١٣٨).
(٢) كل الرجل : تعب. (اللسان ـ مادة : كلل).
(٣) عجز هذا البيت ، كما فى (الخزانة ٣ : ١٦٩) و (معانى القرآن للفراء ١ : ١٣٨) و (حاشية تفسير القرطبى ٣ : ٣٥) :
كأن أباها نهشل أو مجاشع
(٤) حاشية ج : «لأن حتى ؛» تجعل معنى تلك الجملة غاية لما قبلها».
(٥) الإثبات عن أ.
(٦) انظر (أسباب النزول للواحدى ٦٠) ، و (الدر المنثور ١ ـ ٢٤٣) ، و (تفسير الكشاف ١ : ٢٦٠) ، و (البحر المحيط ٢ : ١٤١) ، و (تفسير القرطبى ٣ : ٣٦).